ولكن هذه العملية من السلطة تتضمن مغالطتين : في توسيع معنى المأمور بتبليغه وفي توسيع معنى المأمور بتبليغهم !
كما تتضمن تحريفاً لمقولة علي عليهالسلام وشيعته !
فليس كل شئ قاله الله تعالى لرسوله أوجب عليه أن يبلغه .. فإن علوم النبي صلىاللهعليهوآله وما أوحى الله اليه ، وما ألهمه إياه ، وما شاهده في إسرائه ومعراجه .. أوسع مما بلغه لعامة الناس ، بأضعافٍ مضاعفة ، ولا يمكن أن يوجب الله تعالى عليه تبليغها ، لأن الناس لا يطيقونها حتى لو كانوا مؤمنين !
ولا كل شئ أمره أن يبلغه ، أمره أن الى كل الناس بدون استثناء .. فهناك أمورٌ عامةٌ لكل الناس ، وقد بلغها لهم ، وأمور خاصةٌ لأناسٍ خاصين مؤمنين أو كافرين ، وقد بلغها لأصحابها ، مثل قوله تعالى ( قُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ) .. الخ .
ولم يقل عليٌّ عليهالسلام ولا أحدٌ من شيعته إن النبي صلىاللهعليهوآله لم يبلغ ، بل قالوا إنه كلم الناس على قدر عقولهم ، وعلى قدر تحملهم وتقبلهم ، وأنه لذلك بلغ علياً عليهالسلام أكثر من غيره واستودعه علومه ، كما أمره الله تعالى ..
وليس في هذا تهمة بعدم التبليغ ، كما زعم القرطبي والقسطلاني . بل هي قولٌ بتبليغ إضافي خاصٍ بعلي والزهراء والحسنين عليهمالسلام !
بل إن علياً وشيعته قالوا إن النبي صلىاللهعليهوآله قد بلغ الأمة أموراً كثيرة ، تتعلق بعترته وغيرهم كما ترى في كتابنا هذا .. فتبليغه عندهم أوسع مما يقول به القرشيون .
ولكن القرشيين يظلمون علياً عليهالسلام ويفترون عليه ، ويتغاضون عن تصريح عمر بأن النبي صلىاللهعليهوآله لم يبين عدة آيات مثل الكلالة والربا ! كما تقدم في آية إكمال الدين !!
والنتيجة أن الأمر بالتبليغ وامتثاله ، لا يتنافى مع تخصيص النبي صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام بعلومٍ عن غيره ، لأن ذلك مما أمره بتبليغه له .
كما لا يتنافى مع التقية التي قد يستعملها النبي صلىاللهعليهوآله مع قريش أو غيرها ، لأنه مأمورٌ بالعمل بالحكمة لأهداف الإسلام ، وبالتقية ومداراة الناس ..