بل الظاهر أن وصايا النبي صلىاللهعليهوآله لعلي كان بعضها معروفاً في حياته ، ومن ذلك وصيته له بأن يسجل مظلوميته ويقيم الحجة على القوم ، ولا يقاتلهم من أجل الخلافة .. فلو لم يكونوا يعرفون ذلك ، لما كانت عندهم جرأة أن يهاجموا علياً في بيته بعشرين مسلح أو خمسين ، ويقتحموا داره ، ثم يلقوا القبض عليه ، ويجروه بحمائل سيفه الى البيعة !!
لقد كان علي عليهالسلام معجزةً وأسطورةً في القوة والشجاعة ، وفي الهيبة والرعب في قلوب الناس .. وأكثر الذين هاجموه في داره كانوا معروفين بالخوف والفرار في عدة حروب .. ولم يكن أحدٌ منهم ولا من غيرهم يجرأ أن يقف في وجه علي عليهالسلام إذا جرد ذا الفقار !!
ولكنهم كانوا مطمئنين أن إطاعته للنبي صلىاللهعليهوآله تغلب شجاعته وغيرته ، وأنه سيعمل بالوصية ، ولن يجرد ذا الفقار ، حتى لو ضربت الزهراء عليهاالسلام وأسقط جنينها !!
والحاصل أن الخلافة القرشية قد ردت أقوال علي بأن عنده مواريث النبي صلىاللهعليهوآله وعلمه ، ونفت أن يكون النبي صلىاللهعليهوآله ورث عترته شيئاً لا علماً ولا أوقافاً ولا مالاً ! وبذلك صادر أبو بكر مزرعة فدك ، التي كان النبي صلىاللهعليهوآله أعطاها الى فاطمة عليهاالسلام عندما نزل قوله تعالى ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) !
بل زادت السلطة على نفي كلام علي ، وحاولت أن تستفيد من آية الأمر بالتبليغ التي هي موضوع بحثنا فقالت : من قال إن النبي صلىاللهعليهوآله قد بلغه وحده أموراً وأحكاماً ، ولم يبلغها الى الأمة عامة ، فقد اتهم النبي صلىاللهعليهوآله بأنه قصر في تبليغ الأمة ، وهو نوع من الكفر به صلىاللهعليهوآله !! ومقولة عائشة المتقدمة هي مقولة السلطة في رد قول علي عليهالسلام ..
ـ قال البخاري في صحيحه : ٥ / ١٨٨ :
باب يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ . عن عائشة رضي الله عنها قالت : من حدثك أن محمداً صلىاللهعليهوآله كتم شيئاً مما أنزل عليه ، فقد كذب ، والله يقول يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ . الآية . انتهى . ثم كرر البخاري ذلك في : ٦ / ٥٠ و ٨ / ٢١٠ ، ومسلم : ١ / ١٠ ، والترمذي : ٤ / ٣٢٨ ... وغيرهم .