فيه فقد اغتبته وإلّا فقد بهتّه ، ثم مثّل الاغتياب بأفظع مثال (١) فقال : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) وفيه مبالغات تقرير الاستفهام ومحبّة المكروه واشعار احد بأن لا أحد يحبّه والتمثيل بأكل لحم الإنسان وكونه أخا وميتا وهو حال من «لحم» أو «أخيه» وشدده «نافع» (٢) (فَكَرِهْتُمُوهُ) أي فقد عرض عليكم ذلك فكرهتموه بحكم العقل والطبع ، فاكرهوا ما هو نظيره وهو الغيبة (وَاتَّقُوا اللهَ) بترك الاغتياب والتوبة منه (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ) بليغ في قبول التّوبة (رَحِيمٌ) منعم بالثواب عليها.
نزلت في رجلين بعثا «سلمان» الى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ليأتيهما بطعام وكان اسامة على طعامه ، فقال : ما عندي شيء فأخبرهما «سلمان» فقالا : لو بعثناه الى بئر سميحة لغار ماؤها ، ثم أتيا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما : فقالا : ما تناولنا لحما قال : انكما قد اغتبتما (٣).
[١٣] ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) آدم وحوّاء ، فنسب الكلّ واحد (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً) جمع شعب وهو أعمّ طبقات النّسب (وَقَبائِلَ) هي دون الشّعوب ودونها العمائر ، ثمّ البطون ، ثم الأفخاذ ، ثم الفصائل. ف «حزيمة» شعب و «كنانة» قبيلة و «قريش» عمارة و «قصّي» بطن و «هاشم» فخذ ، و «العباس» فصيلة.
وقيل : الشعوب للعجم والقبائل للعرب (لِتَعارَفُوا) ليعرف بعضكم بعضا بالأنساب لا لتفاخروا بها (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فلا تتفاضلون إلّا بالتقوى (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بكم (خَبِيرٌ) بأحوالكم.
[١٤] ـ (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) هم نفر من «بني اسد» أتوا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في عام جدب وأظهروا الإيمان طلبا للصّدقة وكانوا منافقين (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) ايمانا
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٤ : ١٥٩.
(٢) حجة القراءات : ٦٧٧.
(٣) تفسير البيضاوي ٤ : ١٥٩.