(وَاللهُ لَايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).
مختال : من مادة خيال بمعنى متكبر ، لأنّ التكبر من التخيّل ، أي من تخيّل الإنسان الفضل لنفسه ، وتصوره أنّه أعلى من الآخرين ؛ وفخور : صيغة مبالغة من مادة فخر بمعنى الشخص الذي يفتخر كثيراً على الآخرين.
والشخص الوحيد الذي يبتلى بهذه الحالات هو المغرور الذي أسكرته النعم ، وهذه المصائب والآفات بإمكانها أن توقظه عن هذا السكر والغفلة وتهديه إلى سير التكامل.
ومن ملاحظة ما تقدم أعلاه فإنّ المؤمنين عندما يرزقون النعم من قبل الله سبحانه فإنّهم يعتبرون أنفسهم مؤتمنين عليها ، ولا يأسفون على فقدانها وفواتها ، ولا يغفلون ويسكرون بوجودها.
وفي آخر آية مورد البحث نلاحظ توضيحاً وتفسيراً لما جاء في الآيات السابقة ، والذي يوضّح حقيقة الإنسان المختال الفخور حيث يقول عنه تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ).
نعم ، إنّ الإنشداد العميق لزخارف الدنيا ينتج التكبر والغرور ، ولازم التكبر والغرور هو البخل ودعوة الآخرين للبخل ، أمّا البخل فلأنّ التكبر والغرور كثيراً ما يكون بسبب ثراء الإنسان الذي يدفعه إلى أن يحرص عليه ، وبالتالي يبخل في إنفاقه ، ومن هنا فإنّ لازمة الغرور والتكبر هو البخل.
أمّا دعوة الآخرين إلى البخل ، فلأنّ سخاء الآخرين سيفضح غيرهم من البخلاء ، هذا أوّلاً ، والثاني أنّ البخيل يحبّ البخل ، لذا فإنّه يدعو للشيء الذي يرغب فيه.
ولكي لا يتصور أنّ تأكيد الله سبحانه على الإنفاق وترك البخل ، أو كما عبّرت عنه الآيات السابقة ب (القرض لله) مصدره إحتياج ذاته المقدسة ، فإنّه يقول في نهاية الآية : (وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ).
بل نحن كلّنا محتاجون إليه وهو الغني عنّا جميعاً ، لأنّ جميع خزائن الوجود عنده وتحت قبضته ، ولأنّه جامع لصفات الكمال فإنّه يستحق كل شكر وثناء.
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٢٥)