ثم يشير سبحانه إلى هدف آخر من أهداف ارسال الأنبياء وإنزال الكتب السماوية ، وخلقه وتسخيره الوسائل المفيدة للإنسان كالحديد مثلاً ، حيث يقول تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ).
المقصود من (علم الله) هنا هو التحقق العيني ليتوضّح من هم الأشخاص الذين يقومون بنصرة الله ومبدئه ، ويقومون بالقسط ، ومن هم الأشخاص الذين يتخلّفون عن القيام بهذه المسؤولية العظيمة.
ومفهوم هذه الآية يشبه ما ورد في الآية (١٧٩) من سورة آل عمران : (مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيّبِ).
وبهذه الصورة نلاحظ أنّ المسألة هنا مسألة إختبار وتمحيص واستخراج الصفوة التي استجابت لمسؤوليتها والقيام بواجبها الإلهي ، وهذا هو هدف آخر من الأهداف الأساسية في هذا البرنامج.
ومن الطبيعي أنّ المقصود ب (نصرة الله) أنّها نصرة الدين والمبدأ والحاملين وحي الرسالة ، وإقامة الحق والقسط ... وإلّا فإنّ الله ليس بحاجة إلى نصرة أحد ، بل الكل محتاج إليه. ولتأكيد هذا المعنى تنتهي الآية بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ).
حيث بإمكانه سبحانه أن يغيّر ما يشاء من العالم ، بل يقلبه رأساً على عقب بإشارة واحدة ، ويهلك أعداءه ، وينصر أولياءه ... وبما أنّ الهدف الأساس له سبحانه هو التربية وتكامل البشر ، لذا فقد دعاهم عزوجل إلى نصرة مبدأ الحق.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (٢٧)
تعاقب الرسل واحداً بعد الآخر : للقرآن الكريم منهجه المتميز ، ومن خصوصياته أنّه