إنّ المستفاد من الآية أعلاه إجمالاً هو أنّ الرهبانية لم تكن في شريعة السيّد المسيح عليهالسلام ، وأنّ أصحابه ابتدعوها من بعده ، وكان ينظر إليها في البداية على أنّها نوع من أنواع الزهد والإبداعات الخيّرة لكثير من السنن الحسنة التي تشيع بين الناس. ولا تتّخذ عنوان التشريع أو الدستور الشرعي ، إلّاأنّ هذه السنّة تعرّضت إلى الانحراف ـ فيما بعد ـ وتحريف التعاليم الإلهية ، بل إقترنت بممارسات قبيحة على مرّ الزمن.
ومن جملة الممارسات القبيحة للمسيحيين في مجال الرهبانية تحريم الزواج للنساء والرجال بالنسبة لمن يتفرّغ (للرهبنة) والإنزواء الاجتماعي ، وإهمال كافّة المسؤوليات الإنسانية في المجتمع ، والركون إلى الصوامع والأديرة البعيدة ، والعيش في محيط منزوٍ عن المجتمع ... بالإضافة إلى جملة من المفاسد التي حصلت في الأديرة ومراكز الرهبان.
وفي أمالي الصدوق رحمهالله عن أنس بن مالك ، قال : توفي ابن لعثمان بن مظعون ، فاشتد حزنه عليه حتى اتخذ من داره مسجداً يتعبد فيه ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال له : يا عثمان ، إنّ الله تبارك وتعالى لم يكتب علينا الرهبانية ، إنّما رهبانية امّتي الجهاد في سبيل الله.
إنّ الإسلام ندّد للرهبانية بشدّة ، حتى أنّ الكثير من المصادر الإسلامية أوردت الحديث المعروف : لا رهبانية في الإسلام.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢٩)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : قال سعيد بن جبير : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله جعفراً في سبعين راكباً إلى النجاشي ، يدعوه. فقدم عليه ودعاه ، فاستجاب له وآمن به. فلمّا كان عند إنصرافه ، قال ناس ممّن آمن به من أهل مملكته ، وهم أربعون رجلاً : ائذن لنا فنأتي هذا النبي فنسلم به. فقدموا مع جعفر. فلمّا رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة ، استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقالوا : يا نبي الله! إنّ لنا أموالاً ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة ، فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا