بأموالنا فواسينا المسلمين بها. فأذن لهم فانصرفوا. فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين. فأنزل الله تعالى فيهم : (الَّذِينَءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) إلى قوله (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (١) فكانت النفقة التي واسوا بها المسلمين. فلمّا سمع أهل الكتاب ممّن لم يؤمن به قوله : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) فخروا على المسلمين ، فقالوا : يا معشر المسلمين! أمّا من آمن بكتابكم وكتابنا فله أجران ، ومن آمن منا بكتابنا ، فله أجر كاجوركم ، فما فضلكم علينا؟ فنزل قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَءَامِنُوا بِرَسُولِهِ) الآية ، فجعل لهم أجرين ، وزادهم النور والمغفرة.
التّفسير
الذين لهم سهمان من الرحمة الإلهية : بما أنّ الحديث في الآيات السابقة كان عن أهل الكتاب والمسيحيين ، فإنّ الآيات مورد البحث مكمّلة لما جاء في الآيات السابقة. يقول سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَءَامِنُوا بِرَسُولِهِ).
إنّ المخاطب في هذه الآية هم جميع المؤمنين الذين قبلوا ـ بالظاهر ـ دعوة الرسول صلىاللهعليهوآله ولكنّهم لم يؤمنوا بها الإيمان الراسخ الذي يضيء أعماق النفوس ويتجسّد في أعمالهم وممارساتهم.
وتكملة للآية الكريمة يشير القرآن الكريم إلى ثلاث نعم عظيمة تحصل في ظلّ الإيمان العميق والتقوى ، حيث يقول تعالى : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
«كفل : على وزن (طفل) بمعنى الحصّة التي توفّر للإنسان حاجته ، ويقال للضامن كفيل أيضاً بهذا اللحاظ ، حيث يكفل الطرف المقابل ويضمنه بنفسه.
والمقصود من هاتين الحصّتين أو النصيبين هو ما جاء في قوله تعالى : (رَبَّنَاءَاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الْأَخِرَةِ حَسَنَةً).
وحول القسم الثاني من الجزاء والأجر يقول تعالى : (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ).
إنّ للآية مفهوماً مطلقاً واسعاً حسب الظاهر ولا يختص بالدنيا فقط ولا بالآخرة فحسب. وبتعبير آخر : فإنّ الإيمان والتقوى هي التي تسبّب زوال الحجب عن قلوب
__________________
(١) سورة القصص / ٥٢ ـ ٥٤.