السمات الأساسية للأنصار والمهاجرين والتابعين : هذه الآيات ـ التي هي إستمرار للآيات السابقة ـ تتحدث حول طبيعة مصارف الفيء الستّة ، التي تشمل الأموال والغنائم التي حصل عليها المسلمون بغير حرب ، وقد أوضحت الآية المعني باليتامى والمساكين وأبناء السبيل ، مع التأكيد على المقصود من أبناء السبيل بلحاظ أنّهم يشكّلون أكبر رقم من عدد المسلمين المهاجرين في ذلك الوقت ، حيث تركوا أموالهم ووطنهم نتيجة الهجرة ، وكانوا فقراء بعد أن هجروا الدنيا من أجل دينهم. يقول تعالى : (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
هنا بيّنت الآية ثلاثة أوصاف مهمة وأساسية للمهاجرين الأوائل ، تتلخص ب : «الإخلاص والجهاد والصدق.
وفي الآية اللاحقة يستعرض سبحانه ذكر مورد آخر من موارد صرف هذه الأموال ، ومن بين ما يستعرضه في الآية الكريمة أيضاً وصف رائع ومعبّر جدّاً عن طائفة الأنصار ، ويكمل البحث الذي جاء في الآية السابقة حول المهاجرين ، فيقول سبحانه : (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ).
«تبؤوا : من مادة بواء وهي في الأصل بمعنى تساوي أجزاء المكان. وبعبارة اخرى يقال : (بواء) لترتيب وتسوية مكان (ما) ، هذا التعبير كناية لطيفة لهذا المعنى ، وهو أنّ طائفة الأنصار ـ أهل المدينة ـ قد هيّؤوا الأرضية المناسبة للهجرة.
والتعبير (تَبَوَّءُو) يوضّح لنا أنّ الأنصار لم يهيّؤوا بيوتهم لاستقبال المهاجرين فحسب ، بل إنّهم فتحوا قلوبهم ونفوسهم وأجواء مجتمعهم قدر المستطاع للتكيّف في التعامل مع وضع الهجرة المرتقب.
وجملة (مِن قَبْلِهِمْ) يوضّح لنا أنّ كل تلك الامور كانت قبل هجرة مسلمي مكة ، وهذا أمر مهمّ.
ثم يتطرق سبحانه إلى بيان ثلاث صفات اخرى توضّح روحية الأنصار بصورة عامة ، حيث يقول تعالى : (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ).
فلا فرق بين المسلمين في وجهة نظرهم والمهمّ لديهم هو مسألة الإيمان والهجرة وهذا الحبّ كان يعتبر خصوصية مستمرّة لهم.