والأمر الآخر : (وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا). فهم لا يطمعون بالغنائم التي اعطيت للمهاجرين ، ولا يحسدونهم عليها ، ولا حتى يحسّون بحاجة إلى ما اعطي للمهاجرين منها.
ويضيف تعالى في المرحلة الثالثة إلى وصفهم : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (١).
ومن هذه السمات الثلاث : المحبّة وعدم الطمع والايثار ، كانت تتشكّل خصوصية الأنصار المتميزة.
في تفسير مجمع البيان عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم بني النضير للأنصار : «إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم ، وتشاركونهم في هذه الغنيمة ، وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ، ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة. فقال الأنصار : بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ، ولا نشاركهم فيها فنزلت الآية.
وفي نهاية الآية ـ ولمزيد من التأكيد لهذه الصفات الكريمة ، وبيان تأثيرها الإيجابي العميق ـ يضيف سبحانه : (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
«الشحّ : البخل مقترناً بالحرص عادةً ؛ ويوق : من مادة وقاية.
وفي الكافي عن الفضل بن أبي قرة قال : قال الصادق عليهالسلام : تدري ما الشحيح؟ قلت : هو البخيل. قال : الشحّ أشدّ من البخل ، إنّ البخيل يبخل بما في يده ، والشحيح يشحّ على ما في أيدي الناس ، وعلى ما في يديه ، حتى لا يرى مما في أيدي الناس شيئاً إلّاتمنّى أن يكون له بالحلّ والحرام ، ولا يقنع بما رزقه الله.
وفي آخر آية مورد البحث يأتي الحديث عن آخر طائفة من المسلمين ، الذين عرفوا بيننا باصطلاح القرآن الكريم ب (التابعين) ، والذين يشكّلون المجموعة الغالبة من المسلمين بعد المهاجرين والأنصار الذين تحدّثت عنهم الآيات السابقة. يقول تعالى : (وَالَّذِينَ جَاءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
__________________
(١) خصاصة : من مادة خصاص بمعنى الشقوق التي توجد في جدران البيت ، ولأنّ الفقر في حياة الإنسان يمثّل شقّاً ، لذا عبّر عنه بالخصاصة.