فليس في الدار الآخرة فقط يوجد (فائزون وخاسرون) بل في هذه الدنيا أيضاً ، حيث يكون الإنتصار والنجاة والسكينة من نصيب المؤمنين المتقين ، كما أنّ الهزيمة والخسران في الدارين تكون من نصيب الغافلين.
(لَوْ أَنْزَلْنَا هذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٤)
لو نزل القرآن على جبل : تكملة للآيات السابقة التي كانت تهدف إلى تحريك النفوس والقلوب الإنسانية ، وخاصة عن طريق التذكير بالنهاية التي يكون عليها الإنسان ، والمصير الذي ينتظره ، والذي يجدر أن يهيّئه في أبهى وأفضل صورة ... تأتي هذه الآيات المباركات التي هي آخر آيات سورة الحشر ، والتي تأخذ بنظر الاعتبار مجمل ما ورد من آيات هذه السورة ، لتوضّح حقيقة اخرى حول القرآن الكريم ، وهي : أنّ هذا الكتاب المبارك له تأثير عميق جدّاً حتى على الجمادات ، حيث إنّه لو نزل على الجبال لهزّها وحرّكها وجعلها في وضع من الإضطراب المقترن بالخشوع إلّا أنّه ـ مع الأسف ـ هذا الإنسان القاسي القلب يسمع آيات الله تتلى عليه ولا تتحرّك روحه ولا يخشع قلبه. يقول سبحانه : (لَوْ أَنزَلْنَا هذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدّعًا مّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١).
وقد حملها البعض الآخر على ظاهرها وقالوا : إنّ كل الموجودات في هذا العالم ـ ومن جملتها الجبال ـ لها نوع من الإدراك والشعور الخاصّ بها ، وإذا نزلت هذه الآيات عليها فإنّها
__________________
(١) متصدّع : من مادة صدع ، بمعنى شقّ الأشياء القوية ، كالحديد والزجاج ، وإذا قيل لوجع الرأس : صداع ، فإنّه بسبب شعور الإنسان أنّ رأسه يريد أن يتشقّق من الألم.