«خُلُق : من مادة الخلقة بمعنى الصفات التي لا تنفكّ عن الإنسان ، وهي ملازمة له ، كخلقة الإنسان.
فإنّ تأصّل هذا (الخُلُق العظيم) في شخصية الرسول صلىاللهعليهوآله هو دليل واضح على رجاحة العقل وغزارة العلم له ونفي جميع التّهم التي تنسب من قبل الأعداء إليه.
ثم يضيف سبحانه بقوله : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ).
(بِأَييّكُمُ الْمَفْتُونُ). أي : من منكم هو المجنون.
«مفتون : اسم مفعول من (الفتنة) بمعنى الإبتلاء ، وورد هنا بقصد الإبتلاء بالجنون.
كما أنّ مواقفك وتحرّكاتك المستقبلية المقرونة بالتقدّم السريع لانتشار الإسلام ، ستؤكّد بصورة أعمق أنّك منبع العلم والعقل الكبيرين ، وأنّ هؤلاء الأقزام الخفافيش هم المجانين ، لأنّهم تصدّوا لمحاربة نور هذه الشمس العظيمة المتمثّلة بالحق الإلهي والرسالة المحمّدية.
ومن الطبيعي فإنّ هذه الحقائق ستتوضّح أمامهم يوم القيامة بصورة دامغة ، ويخسر هنالك المبطلون ، حيث تتبيّن الامور وتظهر الحقيقة.
وللتأكيد على المفهوم المتقدم يقول سبحانه مرّة اخرى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
وبلحاظ معرفة الباريء عزوجل بسبيل الحق وبمن سلكه ومن جانبه وتخلّف أو إنحرف عنه ، فإنّه يطمئن رسوله الكريم صلىاللهعليهوآله بأنّه والمؤمنون في طريق الهداية والرشد ، أمّا أعداؤه فهم في متاه الضلالة والغواية.
(فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (١٦)
(اجتنب أصحاب هذه الصفات :) بعد أن تعرّضت الآيات السابقة إلى الأخلاق السامية لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، تلتها الآيات أعلاه مستعرضة أخلاق أعدائه ليتّضح لنا الفرق بين الأخلاقيتين ، وذلك من خلال المقارنة بينهما. يقول تعالى في البداية : (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذّبِينَ).