ثم يشير تعالى إلى جهد هؤلاء المتواصل في إقناع الرسول صلىاللهعليهوآله بمصالحتهم والإعراض عن آلهتهم وضلالهم فيقول : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ).
«يدهنون : من مادة مداهنة مأخوذة في الأصل من (الدهن) وتستعمل الكلمة في مثل هذه الموارد بمعنى إظهار اللين والمرونة ، وفي الغالب يستعمل هذا التعبير في مجال إظهار اللين والميل المذموم كما في حالة النفاق.
ثم ينهى سبحانه مرّة اخرى عن اتّباعهم وطاعتهم ، حيث يسرد الصفات الذميمة لهم ، والتي كل واحدة منها يمكن أن تكون وحدها سبباً للإبتعاد عنهم والصدود عن الإستجابة لهم. يقول تعالى : (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ).
تقال كلمة حلّاف على الشخص الكثير الحلف ، والذي يحلف على كل صغيرة وكبيرة.
«مهين : من المهانة بمعنى الحقارة والضّعة.
ثم يضيف عزوجل : (هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ).
«همّاز : من مادة همز ، (على وزن رمز) ويعني : الغيبة وإستقصاء عيوب الآخرين.
«مشّاء بنميم تطلق على الشخص الذي يمشي بين الناس بإيجاد الإفساد والفرقة ، وإيجاد الخصومة والعداء فيما بينهم.
ثم يسرد تعالى أوصافاً اخرى لهم ، حيث يقول في خامس وسادس وسابع صفة ذميمة لأخلاقهم : (مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ).
ومن صفاتهم أيضاً أنّهم ليسوا فقط مجانبين لعمل الخير ، ولا يسعون في سبيله ، ولا يساهمون في إشاعته والعون عليه ... بل إنّهم يقفون سدّاً أمام أي ممارسة تدعو إليه ، ويمنعون كل جهد في الخير للآخرين ، وبالإضافة إلى ذلك فإنّهم متجاوزون لكل السنن والحقوق التي منحها الله عزوجل لكل إنسان ممّا تلطف به من خيرات وبركات عليه.
وفوق هذا فهم مدنسون بالذنوب ، محتطبون للآثام ، بحيث أصبح الذنب والإثم جزءاً من شخصياتهم وطباعهم التي هي منّاعة للخير ، معتدية وآثمة.
وأخيراً يشير إلى ثامن وتاسع صفة لهم حيث يقول تعالى : (عُتُلّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ).
«عتل : تطلق على الشخص الذي يأكل كثيراً ويحاول أن يستحوذ على كل شيء ، ويمنع الآخرين منه.
وفسّر البعض الآخر كلمة (عتلّ) بمعنى الإنسان السيء الطبع والخُلُق ، الذي تتمثّل فيه الخشونة والحقد ، أو الإنسان سيء الخُلُق عديم الحياء.