والحادثة الثانية التي تتحدث الآية الكريمة عنها هي معجزة إنشقاق القمر العظيمة التي تدلّل على قدرة الباريء عزوجل المطلقة ، وكذلك تدلّ ـ أيضاً ـ على صدق دعوة الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله. قال تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ).
وجدير بالذكر أنّ سورة النجم التي أنهت آياتها المباركة بالحديث عن يوم القيامة (أَزِفَتِ الْأَزِفَةُ) تستقبل آيات سورة القمر بهذا المعنى أيضاً ، مما يؤكّد قرب وقوع اليوم الموعود رغم أنّه عندما يقاس بالمقياس الدنيوي فقد يستغرق آلاف السنين ويتوضّح هذا المفهوم ، حينما نتصور مجموع عمر عالمنا هذا من جهة ، ومن جهة اخرى عندما نقارن جميع عمر الدنيا في مقابل عمر الآخرة فإنّها لا تكون سوى لحظة واحدة.
إنّ إقتران ذكر هاتين الحادثتين في الآية الكريمة : إنشقاق القمر واقتراب الساعة دليل على قرب وقوع يوم القيامة ، حيث إنّ ظهور الرسول الأكرم ـ وهو آخر الأنبياء ـ قرينة على قرب وقوع اليوم المشهود.
ومن جهة اخرى ، فإنّ إنشقاق القمر دليل على إمكانية إضطراب النظام الكوني ، ونموذج مصغّر للحوادث العظيمة التي تسبق وقوع يوم القيامة في هذا العالم ، حيث إندثار الكواكب والنجوم والأرض يعني حدوث عالم جديد ، استناداً إلى الروايات المشهورة التي ادّعى البعض تواترها.
في تفسير مجمع البيان : قال ابن عباس : اجتمع المشركون إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا : إن كنت صادقاً فشقّ لنا القمر فرقتين. فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن فعلت تؤمنون؟ قالوا : نعم. وكانت ليلة بدر فسأل رسول الله صلىاللهعليهوآله ربّه أن يعطيه ما قالوا ، فانشقّ القمر فرقتين ورسول الله ينادي : يا فلان! يا فلان! اشهدوا.
يقول سبحانه : (وَإِن يَرَوْاءَايَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ).
والمراد من قوله تعالى مستمر أنّهم شاهدوا من الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله معجزات عديدة ، وشقّ القمر هو استمرار لهذه المعاجز ، وأنّهم كانوا يبرّرون إعراضهم عن الإيمان وعدم الاستسلام لدعوة الحق وذلك بقولهم : إنّ هذه المعاجز كانت سحر مستمر.
أمّا قوله تعالى : (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ). فإنّه يشير إلى سبب مخالفتهم وعنادهم وسوء العاقبة التي تنتظرهم نتيجة لهذا الإصرار.
إنّ مصدر خلاف هؤلاء وتكذيبهم للرسول صلىاللهعليهوآله أو تكذيب معاجزه ودلائله ، وكذلك تكذيب يوم القيامة ، هو اتّباع هوى النفس.