والمراد من جملة (وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ) ، هو أنّ كل شيء في هذا العالم لا يفنى ولا يزول ، فالأعمال الصالحة أو السيّئة تبقى مع الإنسان حتى يرى جزاء ما فعل. حيث إنّ الحق سيظهر وجهه الناصح مهما حاول المغرضون إطفاءه ، كما أنّ وجه الباطل القبيح سيظهر قبحه كذلك ، وهذه سنّة إلهيّة في عالم الوجود.
(وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) (٨)
تأتي هذه الآيات لتواصل البحث عن الكفار الذين كذّبوا الرسول صلىاللهعليهوآله ولم يذعنوا للحقّ حيث أعرضوا عن جميع المعاجز التي شاهدوها.
والآيات أعلاه تشرح حال هؤلاء الأفراد وموضّحة المصير البائس الذي ينتظر هؤلاء المعاندين في يوم القيامة. يقول سبحانه إنّ هؤلاء لم يعدموا الإنذار والإخبار ، بل جاءهم من الأخبار ما يوجب إنزجارهم عن القبائح والذنوب : (وَلَقَدْ جَاءَهُم مّنَ الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ). وذلك ليلقي عليهم الحجة.
والقصد من الأنباء الإخبار عن الامم والأقوام السابقة الذين هلكوا بألوان العذاب المدمّر الذي حلّ بهم ، وكذلك أخبار يوم القيامة وجزاء الظالمين والكفار ، حيث اتّضحت كل تلك الأخبار في القرآن الكريم.
ويضيف تعالى : (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ). فهذه الآيات حكم إلهية بليغة ومواعظ مؤثّرة ، إلّاأنّها لا تفيد أهل العناد (١).
الآية التالية تؤكّد على أنّ هؤلاء ليسوا على إستعداد لقبول الحق ، فاتركهم لحالهم وأعرض عنهم وتذكّر يوم يدعو الداعي الإلهي إلى أمر مخيف ، وهو الدعوة إلى الحساب ،
__________________
(١) نذر : جمع نذير ويعني (المنذرين) والمقصود بالمنذرين هي الآيات القرآنية وأخبار الامم والأنبياء الذين وصل صوتهم إلى أسماع الناس.