حيث يقول سبحانه : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَىْءٍ نُّكُرٍ) (١).
أمّا المراد من (شَىْءٍ نُّكُرٍ) فهو الحساب الإلهي الدقيق الذي لم يكن معلوماً من حيث وقته قبل قيام الساعة ، أو العذاب الذي لم يخطر على بالهم ، أو جميع هذه الامور ، ذلك لأنّ يوم القيامة في جميع أحواله حالة غير مألوفة للبشر.
وفي الآية اللاحقة يبيّن الله سبحانه وتعالى توضيحاً أكثر حول هذا الموضوع ويذكر أنّ هؤلاء يخرجون من القبور في حالة : (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ).
نسبة الخشوع هنا للأبصار لأنّ المشهد مرعب ومخيف إلى حدّ لا تستطيع الأنظار رؤيته ، لذلك فإنّها تتحوّل عنه وتطرق نحو الأسفل.
والتشبيه هنا ب (الْجَرَادٌ مُّنتَشِرٌ) لأنّ النشور في يوم الحشر يكون بصورة غير منتظمة لحالة الهول التي تعتري الناس فيه ، كما هي حركة إنتشار الجراد التي تتمثّل فيها الفوضى والاضطراب خلافاً للقسم الأكبر من حركة الطيور التي تطير وفق نظم خاصة في الجو ، مضافاً إلى أنّهم كالجراد من حيث الضعف وعدم القدرة.
إنّ حالة هؤلاء الفاقدين للعلم والبصيرة ، حالة ذهول ووحشة وتخبّط في المسير كالسكارى يرتطم بعضهم ببعض فاقدين للوعي والإرادة.
وأمّا قوله تعالى : (مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) فإنّ كلمة مهطعين : تأتي من مادة اهطاع أي مدّ الرقبة ، والبعض يرجعها إلى النظر بإنتباه أو الركض بسرعة نحو الشيء ، ويحتمل أن تكون كل واحدة من هذه المعاني هي المقصودة ، حيث إنّ بمجرد سماع صوت الداعي الإلهي تمدّ الرقاب إليه ثم يتبعه التوجّه بالنظر نحوه ، ثم الإسراع إليه والحضور في المحكمة الإلهية العادلة عند دعوتهم إليها.
وهنا يستولي الخوف من الأهوال العظيمة لذلك اليوم على وجود الكفار والظالمين ، لذا يضيف سبحانه معبّراً عن حالة البؤس التي تعتري الكافرين بقوله : (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هذَا يَوْمٌ عَسِرٌ).
ويستفاد من هذا التعبير أنّ يوم القيامة يوم غير عسير بالنسبة للمؤمنين.
__________________
(١) نكر : مفرد من مادة نكارة وتعنى الشىء المبهم المخيف.