(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (١٧)
قصة قوم نوح عبرة وعظة : جرت السنّة القرآنية في كثير من الموارد أنّ الله سبحانه يستعرض حالة الأقوام السابقة والعاقبة المؤلمة التي انتهوا إليها إنذاراً وتوضيحاً (للكفار والمجرمين) بأنّ الاستمرار في طريق الضلال سوف لن يؤدي بهم إلّاإلى المصير البائس الذي لاقته الأقوام السابقة.
وفي هذه السورة ، إكمالاً للبحث الذي تناولته الآيات السابقة ، في إثارات وإشارات مختصرة ومعبّرة حول تاريخ خمسة من الأقوام المعاندة ابتداءً من قوم نوح كما في قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ). فمضافاً إلى تكذيبه وإتّهامه بالجنون صبّوا عليه ألوان الأذى والتعذيب ومنعوه من الإستمرار في أداء رسالته.
فتارةً يقولون له مهدّدين ومنذرين : (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) (١).
وتارةً اخرى يضغطون رقبته بأيديهم حتى يفقد وعيه ، ولكنّه ما أن يفيق إلى وعيه حتى يقول : اللهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون (٢).
والتعبير ب عبدنا إشارة إلى أنّ هؤلاء القوم المعاندين والمغرورين في الواقع يبارزون الله تعالى لا مجرّد شخص نوح.
ثم يضيف تعالى أنّ نوح عندما يئس من هداية قومه تماماً : (فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ).
«انتصر : طلب العون ، وهنا جاءت بمعنى طلب الإنتقام على أساس العدل والحكمة.
__________________
(١) سورة الشعراء / ١١٦.
(٢) الدرّ المنثور ٣ / ٩٥ ؛ تفسير القرطبي ٨ / ٢٧٣ ؛ وجامع البيان ٢٩ / ١٢٦.