العذارء عليهاالسلام بالبتول ، لأنّها لم تتخذ لنفسها زوجاً وسمّيت الزهراء عليهاالسلام بالبتول لأنّها كانت أفضل نساء عصرها في السيرة والسلوك ، وكانت بالغة درجة الإنقطاع إلى الله تعالى.
فالتبتل هو التوجه القلبي التام إلى الله تعالى ، والإنقطاع عن غيره إليه تعالى ، والإتيان بالأعمال الخالصة لله ، وكذا الخلوص له تعالى.
ثم ينتهي إلى الأمر الثالث فيقول : (رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً).
وهنا تأتي مسألة إيداع الامور إلى الله ، وذلك بعد مرحلة ذكر الله والإخلاص ، إيداع الامور للربّ الذي بيده الحاكمية والربوبية على المشرق والمغرب والمعبود الوحيد المستحق للعبادة ، وهذا التعبير في الحقيقة هو بمنزلة الدليل على موضوع التوكل على الله ، فكيف لا يتوكل الإنسان عليه ، ولا يودعه أعماله ، وليس في العالم الواسع من حاكم وآمر ومنعم ومولى ومعبود غيره؟
وبالتالي يقول في الأمر الرابع والخامس : (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً).
ويأتي هنا مقام الصبر والهجران ، لكثرة إتهامات الأعداء وإيذاءهم له في طريق الدعوة إلى الله ، فالفلاح إذا أراد قطف الورود ، عليه أن يصبر ويتحمل أذى الأشواك ، مضافاً إلى ذلك يلزم الإبتعاد عنهم وهجرانهم أحياناً ، وليبقى في مأمن من شرّهم ، ويعطيهم بذلك درساً بالغاً ، ولا يعني ذلك قطع سبل التربية والتبليغ والدعوة إلى الله.
يقول الطبرسي رحمهالله في تفسير مجمع البيان في ذيل الآية مورد البحث : وفي هذا دلالة على وجوب الصبر على الأذى لمن يدعو إلى الدين والمعاشرة بأحسن الأخلاق ، واستعمال الرفق ليكونوا أقرب إلى الإجابة.
(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً (١٧) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) (١٩)