أنّ ضوء القمر من الشمس ، وعندما يزول نور الشمس يزول بذلك نور القمر ، وبالتالي تدخل الكرة الأرضية في ظلام دامس وعتمة مرعبة.
وبهذه الطريقة والتحول العظيم ينتهي العالم ، ثم يبدأ بعث البشرية بتحول عظيم آخر (بنفخة الصور الثانية والتي تعتبر نفخة الحياة) ، فيقول الإنسان في ذلك اليوم : (يَقُولُ الْإِنسنُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ).
أجل ، الكفرة والمذنبون الذين كذبوا بيوم الدين يبحثون عن ملجأ في ذلك اليوم لشدّة خجلهم ، ويطلبون سبل الفرار لثقل خطاياهم وخوفهم من العذاب.
ولكن سرعان ما يقال لهم : (كَلَّا لَاوَزَرَ) (١).
فلا ملجأ إلّاإلى الله تعالى : (إِلَى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ).
عندئذٍ يضيف في إدامة هذا الحديث : (يُنَبَّؤُا الْإِنسنُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ).
والمراد من هاتين العبارتين هو ما قدم من الأعمال في حياته ، أو الآثار الباقية منه بعد موته ، ممّا ترك بين الناس من السنن الصالحة والسيئة والتي يعملون ويسيرون بها ووصول حسناتها وسيئاتها إليه ، أو الكتب والمؤلفات والأبنية القائمة على الخير والشرّ ، والأولاد الصالحين والطالحين التي تصل آثارهم إليه.
في تفسير علي بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام في قوله (يُنَبَّؤُا الْإِنسنُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) قال : بما قدم من خير وشرّ وما أخر مما سن من سنّة ليستنّ بها من بعده فإن كان شرّاً كان عليه مثل وزرهم ، ولا ينقص من وزرهم شيء ، وإن كان خيراً كان له مثل اجورهم ، ولا ينقص من اجورهم شيء.
ثم يضيف في الآية الاخرى ويقول : إنّ الله وملائكته يطلعون العباد على أعمالهم ، وإن كان لا يحتاج إلى ذلك ، لأنّ نفسه وأعضاءه هم الشهود عليه في ذلك اليوم ، فيقول تعالى : (بَلِ الْإِنسنُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيَرةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ).
سياق هذه الآيات هو نفس سياق الآيات التي تشير إلى شهادة الأعضاء على أعمال الإنسان ، كالآية (٢٠) من سورة فصّلت ، حيث يقول الله تعالى : (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
__________________
(١) وزر : تعني في الأصل الملاجىء الجبلية وأمثالها ، وتعني في هذه الآية كل نوع من الملجأ والمخبأ.