وفي آخر آية من آيات البحث يتحدث حديثاً أخيراً في هذا الإطار فيقول : إنّه يقال لهم من قبل ربّ العزّة بأنّ هذه النعم العظيمة ما هي إلّاجزاء أعمالكم في الدنيا : (إِنَّ هذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا). لئلا يتصور أحد أنّ هذا الجزاء وهذه المواهب العظيمة تعطى من دون مقابل ، إنّ كل ذلك جزاء السعي والعمل ، وثمرة الرياضات وجهاد النفس وبناء الذات وترك المعاصي.
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) (٢٦)
خمسة مباديء مهمة في تنفيذ حكم الله : شرعت السورة منذ البداية وحتى هذه الآية في تبيان خلق الإنسان ثم المعاد والبعث ، وفي هذه الآيات مورد البحث يتوجه الخطاب إلى الرسول صلىاللهعليهوآله باصدار أوامر مؤكّدة لهداية الناس والصبر والثبات في هذا الطريق ، وفي الواقع إنّ هذه الآيات تشير إلى أنّ نيل كل تلك النعم والمواهب الاخروية لا يتمّ إلّابالتمسك بالقرآن وإتباع النبي واطاعة أوامره. يقول في البدء : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ تَنزِيلاً).
ثم يأمر النبي صلىاللهعليهوآله بأمور خمسة ، أوّلها الدعوة إلى الصبر والإستقامة فيقول : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ). أي لا تخف من المشاكل ومن موانع الطريق وكثرة الأعداء وعنادهم واستقم في سيرك على الصراط المستقيم.
والأمر الثاني الموجّه للنبي صلىاللهعليهوآله هو تحذيره من أي توافق مع المنحرفين ، فيقول تعالى : (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْءَاثِمًا أَوْ كَفُورًا).
في الحقيقة أنّ هذا الحكم هو تأكيد ثان على الحكم الأوّل ، لأنّ جموع الأعداء كانوا يسعون بطرق مختلفة للتوافق مع النبي وجرّه إلى طريق الباطل ، كما نقل أنّ عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة قالا لرسول الله : إن تركت دعوتك ، فإنّنا سنغنيك حتى ترضى ، ونزوّجك أجمل بنات العرب ، وعروض اخرى من هذا القبيل ، فما كان على الرسول صلىاللهعليهوآله هنا باعتباره المرشد الحقيقي والعظيم إلّاأن يقف أمام هذه الوساوس الشيطانية والتهديدات التي صدرت منهم بعد ذلك ، ولا يستسلم للترغيب أو الترهيب.
ولكن بما أنّ الصبر والإستقامة في مقابل هذه المشكلات العظيمة ليس بالأمر اليسير ،