وتستمر الآية في سرد كلامهم : (أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً).
فهكذا هو حال ودأب منكري المعاد وعلى الدوام باستفسارهم الدائم حول المعاد ، وبقولهم المعروف : كيف للعظام البالية النخرة والتي تحولت إلى ذرات تراب أن تعود مرّة اخرى جسماً كاملاً ، والأكثر من هذا .. أن تسري فيه الحياة؟ ولكنّهم لم يفقهوا إلى أنّهم خلقوا من ذلك التراب ، فكيف أصبحوا بهذه الهيئة الحيّة بعد أن لم يكونوا شيئاً؟
ولا يكتفي منكرو المعاد بحال الإعتراض على ما وعدهم به الباري سبحانه ، بل وتحولوا إلى حال الإستهزاء بأحد اصول دين الله : (قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ).
وفي آخر آية من الآيات المبحوثة يعود القرآن الكريم إلى مسألة القيامة ، وبلسان قاطع ، يقوق : (فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ).
فالأمر ليس بمستصعب على الخالق القادر ، فما أن يصدر الأمر الإلهي لنفخة الصور الثانية حتى تعود الحياة ثانية إلى جميع الخلائق ، نعم .. فتشرع كل تلك العظام النخرة وما صار منها تراباً للتجمع على الهيئة الاولى ، وليخرج الناس من قبورهم بعد أن تسري فيهم روح الحياة.
«الزجرة : بمعنى صيحة بشدّة وانتهار ، ويراد بها : نفخة الصور الثانية.
«الساهرة : من السهر ، وهو الأرق ، وقيل : لأرض القيامة الساهرة لذهاب النوم عن العيون لما سيصابون به من أهوال مرعبة.
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (١٥) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٦) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (١٩) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصَى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (٢٢) فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) (٢٦)
يشير القرآن الكريم بهذه المقاطع البيانية إلى بعض مشاهد قصة موسى عليهالسلام وفرعون ، والتي تتناول عاقبة الطغاة عبر التاريخ ، وما حدى بفرعون من مصير أسود ، ليستذكر مشركو قريش وطغاتهم تلك الواقعة ، وليعلموا أن من كان أقوى منهم لم يتمكن من مقاومة العذاب الإلهي.