وهذا المعنى هو تكرار لما جاء في الآية (٩٠) من سورة الشعراء : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ).
«ازلفت : من زلف على وزن (حرف) .. وزلفى : على وزن (كُبرى) ، بمعنى القرب ، فيمكن أن يكون المراد هو : القرب المكاني ، أو القرب الزماني ، أو القرب من حيث الأسباب والمقدمات ، ويمكن أيضاً أن تحمل الكلمة جميع ما ذكر من معانٍ.
وتأتي الآية الأخيرة ـ من الآيات المبحوثة ـ لتتم ما جاء قبلها من جمل ، حيث تمثل جزاء الشرط للجمل السابقة والتي وردت في (١٢) آية : (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ).
فستحضر أعمال الإنسان كاملة ، ولا من محيص من العلم والإطّلاع بها في عالم الشهود والمشاهدة.
وقد ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة مرات عديدة في آيات مباركات ، منها : الآية (٤٩) من سورة الكهف : (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا) ، والآيتان (٧ و ٨) من سورة الزلزلة : (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
(فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) (٢٥)
بعد أن تناولت الآيات السابقة مواضيع : المعاد ، مقدمات يوم القيامة ، وحوادث يوم القيامة ... تأتي الآيات أعلاه لتتحدث عن أحقية القرآن وصدق نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ، والآيات في حقيقتها تأكيد على ما جاء في الآيات السابقة لموضوع المعاد ، إضافة لذكرها صور بيانية منبهة على هذه الحقيقة.
وتشرع الآيات ب : (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ).
«الخنّس : جمع (خانس) ، من (خنس) وهو الإنقباض والإختفاء ، ويقال للشيطان : «الخنّاس ، لأنّه إذا ذُكر الله تعالى يخنس ، وكما ورد في الحديث الشريف : الشيطان يوسوس إلى العبد فإذا ذكر الله خَنَس.