«الجوار : جمع (جارية) ، وهي الشئ الذي يتحرك بسرعة.
«الكنّس : جمع (كانس) ، من (كنس) ، وهو الإختفاء ، وكناس الطير والوحش : بيت يتخذه.
والمقصود بهذا القَسم كما روى عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام أنّه قال في تفسير الآيات المذكورة : هي خمسة أنجم : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، والزهرة ، وعطارد (١). والتي يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
ونقول توضيحاً : لو تأمّلنا السماء عدّة ليال ، لرأينا أنّ نجوم السماء أو القبة السماوية تظهر وتغيب بشكل جماعي من دون أن تتغير الفواصل والمسافات فيما بينها ، وكأنّها لئاليء خيطت على قطعة قماش داكن اللون ، وهذه القطعة تتحرك من المشرق إلى المغرب ، إلّا خمسة كواكب قد خرجت عن هذه القاعدة ، فنراها تتحرك وليس بينها وبين بقيّة النجوم فواصل ثابتة ، وكأنّها لئاليء قد وضعت على تلك القطعة وضعاً ، من دون أن تخيّط بها.
وهذه الكواكب الخمس هي المقصودة في هذا التفسير ، وما نلاحظه من حركتها إنّما تكون لقربها منّا ولا نتمكن من تمييز حركات بقية النجوم لعظم المسافة فيما بيننا وبينها.
ومن جهة اخرى : ينبغي التنويه إلى أنّ علماء الفلك يطلقون على هذه الكواكب اسم (الكواكب المتحيرة) ، لأنّها لا تتحرك على خط مستقيم ثابت ، فنراها تسير باتجاه معين من الزمن ثم تعود قليلاً ومن ثم تتابع مسيرها الأوّل وهكذا ... ولهؤلاء العلماء بحوث علمية كثيرة في تحليل هذه الظاهرة.
وعليه ... يمكن حمل إشارة الآيات إلى الكواكب السيارة الجوار ، التي في سيرها لها رجوع الخنس ، ثم تختفي عند طلوع الفجر وشروق الشمس ... فهي تشبه غزالاً يتصيد طعامه في الليل وما أن يحّل النهار حتى يختفي عن أنظار الصيادين والحيوانات المفترسة فيذهب إلى كناسه ، ولذا وصفت الكواكب ب الكنّس.
فكأنّ القرآن الكريم يريد بهذا القسم المليء بالمعاني الممتزجة بنوع من الإبهام ، كأنّه يريد إثارة الفكر الإنساني ، وتوجيهه صوب الكواكب السيارة ذات الوضع الخاص على القبة السماوية ، ليتأمل أمرها وقدرة وعظمة خالقها سبحانه وتعالى.
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ١٠ / ٢٨٠.