وإلى ذلك المطاف ، ستنفصل البشرية إلى فريقين : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا).
فالذين ساروا على هدى المخطط الرباني لحركة الإنسان على الأرض ، وكان كل عملهم وسعيهم لله دائماً ، وكدحوا في السير للوصول إلى رضوانه سبحانه ، فسيعطون صحيفة أعمالهم بيمينهم ، للدلالة على صحة إيمانهم وقبول أعمالهم والنجاة من وحشة ذلك اليوم الرهيب ، وهو مدعاة للتفاخر والإعتزاز أمام أهل المحشر.
أمّا ما المراد من الحساب اليسير؟ فذهب بعض إلى أنّه العفو عن السيئات والثواب على الحسنات وعدم المداقة في كتاب الأعمال.
وفي المجمع : ثلاث من كنّ فيه حاسبه الله حساباً يسيراً ، وأدخله الجنة برحمته. قالوا : وما هي يا رسول الله؟ قال : تعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ، وتعفو عمن ظلمك.
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً (١١) وَيَصْلَى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً) (١٥)
الذين يستلمون كتابهم من وراء ظهرهم : بعد أن عرضت الآيات السابقة أحوال فريق أصحاب اليمين ، تأتي الآيات أعلاه لتعرض لنا أحوال الفريق الآخر ، وتوصف لنا كيفية إعطاء كتاب كل منهم مشرعة لتقديم المشاهد الاخرى : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) ... فيصرخ وينادي الويل لي لقد هلكت : (فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا).
(وَيَصْلَى سَعِيرًا).
وسيأخذ أصحاب اليمين كتبهم بافتخار ومباهاة في يدهم اليمنى ، وكل منهم يقول : (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) (١). ولكن المجرمين سيأخذون كتبهم بأيديهم اليسرى وبسرعة ويضعونها وراء ظهورهم خجلاً وذلاً ، ولكي لا يطّلع أحد على ما فيها ، ولكن ، هيهات .. فكل شيء حينئذ بارز ، كيف لا وهو يوم البروز ...
وتبيّن الآية التالية علة تلك العاقبة المخزية : (إِنَّهُ كَانَ فِى أَهْلِهِ مَسْرُورًا).
سروراً ممتزجاً بالغرور ، وغروراً احتوشته الغفلة والجهل بربّ الأرباب سبحانه
__________________
(١) سورة الحاقّة / ١٩.