فعلى إيجاز الآية ، لكنّها تشير إلى أنواع العذاب الذي أصابهم ، فعاد اصيبوا بريح باردة ، كما تقول الآية (٦) من سورة الحاقّة : (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ). واهلك قوم ثمود بصيحة سماوية عظيمة ، كما جاء في الآية (٥) من سورة الحاقّة أيضاً : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ). والآية (٥٥) من سورة الزخرف تنقل صورة هلاك قوم فرعون : (فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ).
وتحذر الآية التالية كل من سار على خطى اولئك الطواغيت : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ).
«المرصاد : من الرصد وهو الإستعداد للترقب ، وهو في الآية يشير إلى عدم وجود أيّ ملجأ أو مهرب من رقابة الله وقبضته ، فمتى شاء سبحانه أخذ المذنبين بالعقاب والعذاب.
«ربّك : إشارة إلى أنّ هذه السنّة الإلهية لم تقف عند حدّ الذين خلوا من الأقوام السالفة ، بل هي سارية حتى على الظالمين من امّتك يا محمّد صلىاللهعليهوآله .. وفي ذلك تسلية لقلب النبي صلىاللهعليهوآله وتطميناً لقلوب المؤمنين ، فالوعد الإلهي قد أكّد على عدم انفلات الأعداء المعاندين من قبضة القدرة الإلهية أبداً أبداً ، وفيه تحذير أيضاً لُاولئك الذين يؤذون النبي صلىاللهعليهوآله ويظلمون المؤمنين ، تحذير بالكف عن ممارساتهم تلك وإلّا سيصيبهم ما أصاب الأكثر منهم قدرة وقوّة ، وعندها فسوف لن تقوم لهم قائمة إذا ما أتتهم ريح عاصفة أو صيحة مرعبة أو سيل جارف يقطع دابرهم.
في تفسير علي بن إبراهيم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : لما نزلت هذه الآية (وَجِاىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) [الفجر : ٢٣] سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : بذلك أخبرني الروح الأمين أنّ الله لا إله غيره ، إذا أبرز الخلائق وجمع الأوّلين والآخرين ، أتى بجهنم تقاد بألف زمام ، مع كل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد ، لها هدة وغضب وزفير ، وشهيق ، وإنّها لتزفر الزفرة ، فلولا أنّ الله عزوجل أخرهم للحساب لأهلكت الجميع ثم يخرج منها عنق [أي طائفة منها] فيحيط بالخلائق البر منهم والفاجر فما خلق الله عزوجل عبداً من عباد الله ملكاً ولا نبيّاً إلّاينادي نفسي نفسي وأنت يا نبي الله تنادي : امتي امتي ثم يوضع عليها الصراط أدق من حدّ السيف ، عليها ثلاث قناطر : أمّا واحدة فعليها الأمانة والرحم ، والثانية فعليها الصلاة ، وأمّا الثالثة فعليها عدل ربّ العالمين لا إله غيره ، فيكلّفون الممر عليها ، فيحبسهم الرحم والأمانة ، فإن نجوا منهما حبستهم الصلاة ، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى ربّ العالمين عزوجل ، وهو قوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ).