ظلّ ظروف وأوضاع يخيّم عليها الجهل ، محال أن يصدر من بشر عادي.
وتوضّح الآية اللاحقة ما هو المقصود من ذكر هذا القسم؟ حيث يقول سبحانه : (إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ).
وبهذه الصورة فإنّه يردّ على المشركين المعاندين الذين يصرّون بإستمرار على أنّ هذه الآيات المباركة هي نوع من التكهّن ـ والعياذ بالله ـ أو أنّه حديث جنوني أو شعر ، أو أنّه من قبل الشيطان ... فيردّ عليهم سبحانه بأنّه وحي سماوي وحديث بيّن وعظمته وأصالته لا غبار عليها ، ومحتواه يعبّر عن مبدأ نزوله.
نعم ، إنّ القرآن كريم وقائله كريم ومن جاء به كذلك ، وأهدافه كريمة أيضاً.
ثم يستعرض الوصف الثاني لهذا الكتاب السماوي العظيم حيث يقول تعالى : (فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ).
إنّه في لوح محفوظ في علم الله ، محفوظ من كل خطأ وتغيير وتبديل.
وفي ثالث وصف له يقول سبحانه : (لَّايَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).
ذكر الكثير من المفسرين ـ تماشياً مع بعض الروايات الواردة عن الأئمة المعصومين عليهمالسلام ـ بعدم جواز مسّ (كتابة) القرآن الكريم بدون غسل أو وضوء.
كما اعتبر بعضهم أنّها إشارة إلى أنّ الحقائق والمفاهيم العالية في القرآن الكريم لا يدركها إلّا المطهّرون. فإنّ طهارة الروح في طلب الحقيقة تمثّل حدّاً أدنى من مستلزمات إدراك الإنسان لحقائق القرآن ، وكلّما كانت الطهارة والقداسة أكثر كان الإدراك لمفاهيم القرآن ومحتوياته بصورة أفضل.
وفي رابع وآخر وصف للقرآن الكريم يقول تعالى : (تَنزِيلٌ مّن رَّبّ الْعَالَمِينَ).
إنّ الله المالك والباريء لجميع الخلق ، قد نزّل هذا القرآن لهداية البشر ، وقد أنزله سبحانه على قلب النبي الطاهر ، وكما أنّ العالم التكويني صادر منه وهو تعالى رب العالمين فكذلك الحال في المجال التشريعي ، فكل نعمة وهداية فمن ناحيته ومن عطائه.
ثم يضيف سبحانه : (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ). هل أنتم بهذا القرآن وبتلك الأوصاف المتقدمة تتساهلون ، بل تنكرونه وتستصغرونه في حين تشاهدون الأدلة الصادقة والحقّة بوضوح ، وينبغي لكم التسليم والقبول بكلام الله سبحانه بكل جديّة ، والتعامل مع هذا الأمر كحقيقة لا مجال للشك فيها.