عبارة هذا الحديث في الآية الكريمة إشارة للقرآن الكريم.
«مدهنون : في الأصل من مادة دهن بالمعنى المتعارف عليه ، ولأنّ الدهن يستعمل للبشرة وامور اخرى ، فإنّ كلمة (أدهان) جاءت بمعنى المداراة والمرونة ، وفي بعض الأحيان بمعنى الضعف وعدم التعامل بجدية ... ولأنّ المنافقين والكاذبين غالباً ما يتّصفون بالمداراة والمصانعة ، لذا استعمل هذا المصطلح أحياناً بمعنى التكذيب والإنكار ، ويحتمل أن يكون المعنيان مقصودان في الآية.
وفي آخر آية ـ مورد البحث ـ يقول سبحانه إنّكم بدلاً من أن تشكروا الله تعالى على نعمه ورزقه وخاصة نعمة القرآن الكبيرة ، فإنّكم تكذّبون به : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ).
(فَلَوْ لَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٨٧)
عندما تصل الروح إلى الحلقوم : تكملة لأبحاث المعاد والردّ على المنكرين والمكذبين فإنّ القرآن الكريم يرسم لنا صورة معبّرة ومجسّدة لهذه اللحظات حيث يقول سبحانه : (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ) ولا تستطيعون عمل شيء من أجله.
والمخاطبون هنا هم أقارب المحتضر الذين ينظرون إلى حالته في ساعة الاحتضار من جهة ، ويلاحظون ضعفه وعجزه من جهة ثانية ، وتتجلّى لهم قدرة الله تعالى على كل شيء ، حيث إنّ الموت والحياة بيده ، وأنّهم ـ أي أقاربه ـ سيلاقون نفس المصير.
ثم يضيف سبحانه : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلكِن لَّاتُبْصِرُونَ).
نعم ، نحن الذين نعلم بصورة جيّدة ما الذي يجول في خواطر المحتضر؟ وما هي الإزعاجات التي تعتريه؟ نحن الذين أصدرنا أمرنا بقبض روحه في وقت معيّن ، إنّكم تلاحظون ظاهر حاله فقط ، ولا تعلمون كيفية إنتقال روحه من هذه الدار إلى الدار الآخرة.
ثم للتأكيد الأشد في توضيح هذه الحقيقة يضيف تعالى : (فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
إنّ ضعفكم هذا دليل أيضاً على أنّ مالك الموت والحياة واحد ، وأنّ الجزاء بيده ، وهو الذي يحي ويميت.