للتبليغ خارج المدينة التي اتخذها المقر الرئيسي لدولته الفتية الناشئة ، وقد ذكرنا في الفصل الأول من هذا الكتاب صورا عن التشريع الإسلامي كما نص عليه الكتاب والسنة ، وأوردنا نماذج من التشريعات التي وضع أصولها ومبادئها القرآن الكريم ، وأتمها الرسول (ص) بأقواله وأفعاله كما أوحى إليه من ربه. وبوفاته انتهت المرحلة الأولى من مراحل التشريع ، وانقطعت بوفاته اخبار السماء ، ولكنه خلف للبشرية تشريعا كاملا وافيا بحاجاتهم مهما طال الزمان وتطورت الحياة ، ولم يبق على المسلمين من بعده الا الرجوع الى الكتاب الكريم والسنة النبوية والتفريع والتطبيق واستلهامهما لإعطاء الحوادث المتجددة حكمها في كل زمان ومكان بالطرق المألوفة في مقام التفاهم.
المرحلة الثانية من مراحل التشريع :
هذه المرحلة تبتدئ بعد وفاة الرسول (ص) حيث انقطع الوحي بوفاته ، ولم يعد من سبيل الى المسلمين إلا الرجوع إلى نصوص القرآن وظواهره ، والى السنة المروية عن الرسول (ص) سواء منها ما كان في مقام التشريع ، وما ورد عنه في أحكام الحوادث ، وحل الخصومات ونحو ذلك. ومما لا شك فيه أن المهمة الملقاة على عاتق الصحابة في هذا الدور تتطلب جهدا منهم في تفريع الأحكام وتطبيق الأصول والقواعد العامة على الجزئيات والموارد المختلفة ، ذلك لأن أكثر آيات التشريع قد وضعت المبادئ العامة ، وتركت تفصيلها وبيان ماهيتها وكيفيتها الى الرسول (ص) ، وبعضها لم يكن صريحا في المراد بنحو يمتنع عن التأويل ولا يتسع لأكثر من معنى ، وما هو نص في مورده من آيات الكتاب الكريم ينحصر في موارد محدودة ، والسنة لم تكن مدونة في كتاب مستقل ، بل كانت في صدور الحفاظ المتفرقين ، وقد أكلت