الفصل الأول
الحاجة الى التشريع
مهما كان مصدر التشريع وأيا كان المشرع ، فالتشريع هو مجموعة من القوانين والقواعد العامة يضعها المشرع لتنظيم الروابط بين الناس ، وبيان ما لهم من الحقوق وما عليهم من واجبات. ولولاه لعمت الفوضى فأخذ القوي بقوته ما يريد وفقد الضعيف كل أسباب الحياة ومقوماتها ، وإذا كان التشريع لهذه الغاية فلا بد في المشرع ان يتجرد عن أهوائه ومصالحه وأن يكون مخلصا فيما يضعه من القوانين والمبادئ العامة التي يقصد منها حماية المجتمع من طغيان القوي الجامح والأثرة وحب الذات ، ومن الصعب أن تتحقق هذه في التشريع الذي يضعه الإنسان لأنه يستمد قوته وفعاليته من سلطة الدولة التي تشرف على وضعه في الغالب لتفرضه على الأمة وكثيرا ما تتحكم فيه الأهواء وتراعى فيه حالات خاصة وظروف معينة قد يتأثر فيها رجال التشريع اما بإيحاء ممن يملكون التوجيه أو بدوافع نفسية خاصة ، لذا فهو في معرض التغيير والتعديل في الغالب حسبما توحيه مصلحة الدولة وأهواء الحكام.
أما التشريع السماوي الذي يصدر من حكيم خبير محيط بجميع الأشياء لا يضل ولا ينسى فهو منزه عن الغرض والهوى ، وبعيد عن جميع المؤثرات والانفعالات لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،