الشبهات الذين لا يتورّعون عن بيع الوطن والمواطنين لقاء مكاسب شخصية بفضل هذا الشرف والنزاهة فيه كان قادرا ان يمتنع عن الانزلاق الى المنحدرات الموبوءة. وهذا هو الورع الوطني.
دخل العلّامة السيد هاشم معروف الحسني عالم الوظيفة كقاض في المحاكم الشرعية الجعفرية في لبنان. لما ذا فعل ذلك؟
نقول واثقين إنه لم يدخل عالم الوظيفة هذه إلا عن ضرورة دفعته الى ذلك. هذه الضرورة لا يستطيع ان يدركها ويدرك قدرها إلا من عرف ظروف العيش التي يعانيها رجال الدين في جبل عامل ، خصوصا منهم أهل العفّة والتواضع وصدق القول والعمل. هؤلاء يعزّ عليهم أن تضطرهم ظروف العيش أحيانا إلى الخروج ـ ولو مقدار شعرة ـ عن اخلاقية العفة والتواضع والصدق. من هذا الوجه المشروع اضطر السيد هاشم ان يتجنّب حالة الخروج عن أخلاقيته الاصيلة فدخل عالم الوظيفة كارها لا مختارا. لكنه فعل حسنا. لقد أثبت ان الوظيفة ليست شرّا بذاتها ، وإنما هي تتشرّف بمن يصاحبها بشرفه ، ويلطّخها بالدنس من يلصق بها دنس يده وضميره. لقد شرّفها السيد هاشم بالفعل : شرّفها بنزاهة يده وشرّف ضميره ، وشرّفها بورعه الصارم. وبسيرته النقية.
ولقد اثبت السيد هاشم ايضا خطأ الزعم أن الغرق في حياة الناس أو حياة الوظيفة يلغي فرص النشاط الفكري. أي يلغي ممكنات العمل في مجالات الفكر والعلم.
إن سيرة السيد هاشم وفكره يقولان : لا. بل إن الاتصال بالناس ، مهما يكن واسعا وعميقا يكن باعثا لنشاط العقل ، ومصدرا لاغتناء الفكر ، وملهما للعمل والإبداع. فقد برهن السيد هاشم ، عمليا ، أن فرص الإنتاج العقلي أكثر ما تكون توفّرا حين يكون العالم والمفكّر بين الناس يتعامل معهم ويتعرف احتياجات عقولهم ، ويتفهّم قضاياهم ومشكلات حياتهم. برهن على ذلك بنشاطه الخصب منذ أخذت تتعدّد وتتشابك علاقاته بالناس ، ثم منذ أخذت