رغم وفرة أسباب العيش لديه. كل هذه الأخلاق والصفات فيه ، برزت عنده بصيغتها الجديدة منذ بدأ حياته الجديدة كرجل دين.
لكن هذه الأخلاق والصفات ذاتها اتخذت صيغتها الجديدة مسيّجة بسياج حصين منيع من الورع بأعمق معانيه وأكثرها شمولية ، إنه الورع الذي يصون صاحبه لا من مقاربة المحرّمات الدينية التعبّدية وحدها ، بل يصونه ـ أولا وآخرا ـ من مقاربة المحرّمات التعامليّة بخاصة : دينية ، واجتماعية ، وإنسانية ووطنية. إن هذا النوع التعاملي من الورع ، هو ما يضع الفارق الحاسم بين الورع العادي والاستثنائي ، أو بين الورع السطحي والعمقي ، أو بين الورع الزائف والحقيقي.
ورع العلّامة السيد هاشم معروف كان ورعا ذا طبيعة شمولية ، أولا ، وكان ـ الى ذلك ـ ورعا استثنائيا وعمقيا وحقيقيا. نقول هذا لا اعتباطا ولا امتداحا. وإنما نقوله اعتقادا واستنادا الى الواقع والشاهد والملموس من سيرته النقية. فنحن نعرف من سيرته هذه أنه :
أولا : كان له من صدق إيمانه الديني حصانة قوية وراسخة تمنع عنه الوقوع في شرك المغريات الآثمة مهما تكن عليه من قوة الإغراء وسحره. وهذا هو الورع الديني.
ثانيا : كان له من إدراكه السليم وحدسه الصائب ما يعصمه من كلا الشّرّين : شر العزلة المطلقة عن الناس دون تمييز بعضهم من بعض ، وشر الاندماج المطلق بالناس دون الحيطة والحذر من بعضهم دون بعض. بفضل هذه العصمة أمكنه اجتناب أهل الشر منهم ، مع الإفادة من صلته بالخيّرين فيهم. وهذا الورع الاجتماعي.
ثالثا : كان من سماحة القلب ونبل العاطفة ما يضعه قريبا من الناس الضعفاء والبؤساء والمعذّبين. بفضل هذا القرب الحميم استطاع أن يبلسم بعض الجراح قدر ما لديه من الممكنات. وهذا هو الورع الإنساني.
رابعا : كان له من شرف العقل ونزاهة الضمير ما يبعده عن أهل