وكان يتمنى لو يأمرهم الله سبحانه بالتوجه الى غير هذه الجهة ، فأنزل الله عليه : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) فنسخت هذه الآية ما كان مفروضا عليهم من التوجه إلى بيت المقدس ، وهو من باب نسخ السنة بالقرآن ، لأنه لم يرد في آيات الكتاب ما يشير إلى القبلة الأولى ، وقوله سبحانه : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) يختص بالنوافل في حالة السفر كما روي ذلك في تفسيرها عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق (١) (ع).
الآيات التي شرعت الصيام :
ولقد فرض الله على المسلمين الصيام ، ونص عليه القرآن ، قال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ، أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)(٢). فالآية الكريمة كما نصت على تشريعه دلت على أنه ليس من مختصات الإسلام ، بل كتب على من كان قبلهم من الأمم. وفي بعض الروايات ان الصيام كانت تتعبد به قريش في جاهليتها ، روى البخاري عن عائشة زوجة النبي (ص) ان قريشا كانت تصوم يوم العاشر من المحرم في جاهليتها وأمر رسول الله بصيامه بدء دعوته. ولما فرض الله صيام شهر رمضان رخص النبي في إفطاره فقال : (من شاء صامه ومن شاء أفطره) وقد عنى الله
__________________
(١) مجمع البيان المجلد الأول ص ٢٢٨ طبع صيدا.
(٢) سورة البقرة.