للمحافظة على القرآن بجانب المحافظة على السنة ، فقد خشي ان يشتغل الناس بالرواية عن القرآن الكريم ، وأراد ان يحفظ المسلمون القرآن جيدا ثم يعتنوا بالحديث الشريف الذي لم يكن قد دون كله في عهد الرسول (١).
ومهما كان الحال فالذي تؤيده النصوص التاريخية أن الخليفة الثاني هو الذي حمل لواء التشدد في الرواية والتضييق على السنة ومعاقبة المكثرين من المحدثين ، وأنه كان يحاول صرف الانظار عنها بدليل قوله لأبي بن كعب : كرهت ان يكون الحديث عن رسول الله (ص) ظاهرا ، هذا القول يبعث على التساؤل ويثير الشكوك حول هذه المحاولة لا سيما والمسلمون بعد انقطاع الوحي بوفاة الرسول ، وبعد ان تضاعفت حاجتهم الى النصوص الشرعية بسبب الحوادث المتجددة والتبدل الذي طرأ على حياتهم قد أصبحوا في أمس الحاجة الى سنته وسيرته لاستلهام الحلول لمشاكلهم من أي وقت مضى وليس من المستبعد ان تكون المصلحة السياسية هي التي فرضت عليهم التشدد في الرواية والتضييق على الرواة ، مخافة ان ينتشر بين المسلمين ما حدث به النبي (ص) في فضل اخصامهم السياسيين الذين ابعدوا بالأمس القريب عن الخلافة بحجة ان الرسول (ص) لم يوص بها لأحد من الناس ، وترك أمرها إلى الأمة لتختار لنفسها من تراه صالحا لهذه المهمة.
ومجمل القول لقد كان من نتائج الموقف الذي وقفه الصحابة بعد الرسول من الاعتماد على اجتهاداتهم والتشدد في الحديث ، ان وقع اختلاف بينهم في كثير من الأحكام ، وعلى سبيل المثال نذكر موردا من
__________________
(١) انظر ص ٩٦ من الكتاب المذكور.