واستطرد الأستاذ أبو ريّة في حديثه عن أبي هريرة ، مستعرضا اساليبه في نقل الحديث عن الرسول ليغري بها أهل الشام وغيرهم من الأقطار الإسلامية ، وفاء منه لموائد معاوية ، التي حوت أطايب الطعام ، وعطاياه السنية ، التي أصبح بواسطتها من الأثرياء.
وبعد ان استعرض أبو ريّة المراحل التي مرّ بها أبو هريرة ، وموقفه الأخير من الدولة الأموية وقسما وافرا من أحاديثه ، التي رواها المحدثون من أهل السنة عنه في الأصول والفروع ، وفي الأمويين وغيرهم. بعد ان استعرض جميع ذلك ، وكشف للقارئ عن واقع أبي هريرة ، بكل تجرد وإخلاص ، للدين والعلم والحق ـ قال : وما بيناه من تاريخ أبي هريرة ، لقد سقناه على حقيقته ، وأظهرنا شخصيته كما خلقها الله. ولم نأت فيها بشيء من عند أنفسنا ، بل أتينا بالروايات الصحيحة فيها ، ورجعنا الى مصادر ثابتة ، لا يرقى إليها الشك ، ولا يدنو منها الريب.
على اننا قد طوينا كثيرا مما أثبته التاريخ الصحيح ، لأن شيوخ الدين عندنا لا يزالون يخشون سطوة الحق ، ولا يحتملون قوة البرهان.
ومع ان جميع ما جاء في حديث الأستاذ محمود أبو ريّة ، عن أبي هريرة ، يمليه الواقع وتؤيده الأرقام والحوادث ، فأكثر الشيوخ ما زالوا يقدسونه ، ويثبتون أكثر رواياته عن الرسول ، لأنه من الصحابة بزعمهم ، وكل صحابي عادل.
وإذا جاءت الرواية عن غيره من رواة الشيعة الإمامية ، لا بد من طرحها ، لأن راويها يتشيع لأهل البيت (١). فالتشيع جريمة توجب
__________________
(١) مقدمة ابن خلدون ، في مقام تضعيف الروايات التي تنص على القائم ، وقد ضعف قسما منها لمجرد ان رواتها من الشيعة ، أو متهمون بالتشيع. ص ٢١٩ وما بعدها ، الى ٢٢٩.