دوّن علي (ع) الفقه والحديث ، فجمعهما في حياة الرسول وبعدها ، في كتب خاصة. حتى أن من ادعى بأن نشاط المسلمين في هذه الناحية ، قد اقتصر على الإفتاء ونقل الأحاديث لا غير ، بسبب ما ارتآه الخليفة من عدم تدوين الفقه والحديث ، قد اعترف بأن عليا كانت له صحيفة جمعت قسما من أبواب الحلال والحرام ، دونها بخط يده.
كما وأن الأحاديث الكثيرة الصحيحة ، من طريق أهل البيت عليهمالسلام ، التي رواها المحدثون من الشيعة ، تنص على أنه كتب كتابا في القضاء ، وكتابا في الفرائض ، وكتابا في الفقه كله. وبعض هذه الكتب كان باملاء رسول الله (ص). وكان هو وشيعته يفتون أحيانا بما فيها من أحكام الإسلام. وبعد وفاته بقيت عند بنيه. ولم يكن باستطاعتهم في ذلك الدور القاسي على أهل البيت وشيعتهم ، ان يجاهروا بآرائهم وبما حملته من أحكام الإسلام ، ولا أن يتصدروا للقضاء والإفتاء بين الناس. ولما جاء دور الإمامين الباقر وولده الصادق عليهماالسلام ، وتهيأ لهما أن يقوما بنشر رسالة جدهما الرسول الأعظم ، بما حوته تلك الكتب ، من أبواب الفقه وأنواع الحلال والحرام ، شاع أمرها بين الشيعة ، ومن تخرج من مدرستهما في الحجاز والعراق ، وسائر الأقطار الإسلامية ، ورآها جماعة من أعيان أصحابهما.
ولم يكن أثر التشيع في التشريع الإسلامي مقصورا على التدوين والتأليف ، بل كان بارزا في القضاء وافتاء الناس. فلقد برز علي (ع) على غيره من صحابة الرسول ، وكان قوله الفصل اذا تعقدت الأمور ، وتباينت الآراء ، ولم يستطع أحد أن يصرف الأنظار عنه أو يحد من نشاطه في الإفتاء والقضاء. حتى أن من كانت بيدهم السلطة لم يجدوا بدا من الرجوع الى رأيه ، في اكثر المشاكل ، التي كانت تعترضهم.