ونستطيع القول جازمين بأن هذه المميزات التي كانت تزداد ترسّخا في شخصية السيد هاشم ، طول أعوام الدراسة في النجف الأشرف ، هي أساس ما عرف به أيام طلب العلم هناك من مثابرة مدهشة على الدرس والمدارسة ، ومن انكباب نادر المثال على الكتاب لا تلهيه عنه مغريات المجالس العامرة ، يعقدها أيام العطل الاسبوعية ، زملاؤه واصدقاؤه ترفيها لنفوسهم من عناء الدرس والتدريس. هذا لا يعني ان السيد هاشم كان زميتا ، أو انطوائيا ، أو متحرّجا من مجالس الانس البريئة ، أو كان كزّ المزاج لا تطيب له مؤانسة الأصدقاء والزّملاء. بل كان أمره على عكس ذلك : كان ألوفا سريع الألفة طيب المؤالفة ، تطرب نفسه للقاء الأصدقاء ، يهتزّ جسده كله سرورا ومرحا للفكاهة اللاذعة الناقدة ويضحك لها ملء صدره ، بل كثيرا ما كان هو يبادر بها ويرسلها عفوية ضاحكة محببة. غير انه لم يدع لنفسه ان تسترسل في الاستمتاع بهذا كله ، كيلا يطغى على استمتاعه الروحي بتحصيل المعرفة والعلم. لذا كان حريصا على ان يقيم التوازن بين هذا وذاك في حياته اليومية ، وكان ناجحا جدّا في إقامة هذا التوازن بالفعل.
السيد هاشم ، طالب العلم ، كان نموذجا محترما للطالب المنظّم التفكير والعمل. كان تنظيم عمله اليومي يتناسب مع نسق تفكيره الدقيق التنظيم. فإنه بالرغم من تعدّد عمله اليومي ، كميا ونوعيا ، كان يبدو صافي الذهن ، هادئ الأعصاب ، متهلّل الوجه ، فكأنه يعمل عملا واحدا سهلا. مرجع هذه الظاهرة فيه هو قدرته الفائقة على تنظيم فكره وعمله. هذه القدرة كانت له عونا على إنجاز اعماله اليومية كاملة ومتقنة دون أن ترهقه ذهنيا ولا جسديا. بهذا القدر من حسن تصريفه الأمور كانت له الطاقة المدهشة في أن يحضر في اليوم الواحد أكثر من حلقة دراسية ، وأكثر من حلقة مذاكرة ، وأن يمارس التدريس لأكثر من حلقة وكتاب. غير أن الأهم من كل ذلك انه كان يتعامل مع زملائه وتلامذته كأنه هو المستفيد دائما منهم في حين كان هو يفيد أكثر مما يستفيد. من هنا كان السيد هاشم نموذجا في التواضع بقدر ما كان نموذجا في تنظيم عمله وتفكيره.