ومجمل القول ان الإفتاء بالرأي ، فيما إذا لم يكن لدى المفتين دليل من كتاب أو سنة ، أو كان لديه ما يفيد الحكم منهما ، ولكنه لم يكن نصا فيه بأن كان يحتمله ويحتمل غيره ، فإعمال الرأي في مثل ذلك للتوصل الى الواقع ، ليس بالبعيد أن يكون نشأ في التشريع الإسلامي ، منذ بدأ المسلمون يأخذون الأحكام من الكتاب والحديث. وقد شاع ذلك بين الصحابة وفقهاء الحجاز ، الذين اشتهروا بعد ذلك بالحديث ، لوفرة حظهم منه ، كما اشتهر فقهاء العراق وغيرهم بالرأي للأسباب التي ذكرناها. والرأي بهذا المعنى ، لا بد للفقيه من اللجوء اليه ، بعد أن كان الفقه الإسلامي مستمدا من هذين الأصلين الكريمين.
أما الرأي الذي يرادف القياس ، والذي غالى به بعض أنصاره ، فعارض به السنة وخصص به القرآن ، فلم يكن شائعا بين فقهاء العراق ، وبالأخص فقهاء الشيعة منهم ، الذين تزعموا تدريس الفقه والإفتاء في عصرهم ، كإبراهيم بن يزيد النخعي وعلقمة بن قيس وأمثالهما.
فالافتاء بالرأي في مثل هذه الحالات ، في مقابل الإمساك عن الفتوى ، كما كان الحال بالنسبة الى بعض من عاصرهم من الفقهاء. ويؤيد ذلك ، ما ذكره الخضري في (تاريخ التشريع الإسلامي) ومصطفى عبد الرزاق في (تمهيد لتأريخ الفلسفة).
ان الفقيه الشعبي ، المعاصر لإبراهيم بن يزيد النخعي ، كان إذا عرضت له الفتيا ، ولم يجد فيها نصا ، انقبض عن الفتوى ، بينما كان إبراهيم وغيره يفتون حسب اجتهادهم