الإسلام ما لم يتعارض مع النصوص القرآنية والنبوية ، وليس فيما أقرّه الإسلام إشارة الى القياس من قريب أو بعيد مع العلم بأنه قد شاع بين بعض الصحابة بعد وفاة الرسول. ومهما كان الحال فقد اشتهر فقهاء الحجاز بالحديث وفقهاء العراق بالرأي ، ولكن ذلك لا يعني أن فقه الحجاز كله مستند الى الحديث ، وفقه العراق وغيرها مستند إلى الرأي. والشيء الثابت أنه كان حتى بين فقهاء الحجاز من يفتي برأيه أحيانا ، إذا لم تتوفر اليه النصوص من الكتاب أو السنة.
قال الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة : «والرأي كان مأخوذا به في المدينة وسائر مدن الحجاز. وقد رأينا الفقهاء السبعة الذين مثلوا الفقه المدني أصدق تمثيل ، كان كبيرهم ابن المسيب ، لا يهاب الفتيا ، حتى لقب بالجريء ، ولا يجرؤ على الإكثار من الإفتاء ، من لا يجرؤ على الرأي ، ولا يوصف بالجريء في الفتيا من يقف عند النص أو الأثر لا يعدوه. بل يوصف بالجريء من يسير في دائرة المأثور ، ويكثر من التخريج عليه والسير على منهاجه ، وليس ذلك إلا الرأي» (١).
وقال عنه في موضع آخر من كتابه : «وكان سعيد بن المسيب كثير الإفتاء بالرأي». وفيما سبق ، ذكرنا أن عمر بن الخطاب كان يفتي برأيه أحيانا ويعمل بالقياس ، تمشيا مع المصلحة التي يراها ، حتى ولو خالف النصوص القرآنية والنبوية. ولا شك بأن جماعة من الفقهاء في الحجاز ، قد أخذوا من قضائه وفقهه ونهجوا على طريقته في الفقه والقضاء.
ومهما يكن الحال ، فالافتاء بالرأي ، المرادف للاجتهاد ، لا بد منه للفقيه في فهم النصوص وفيما لا نص فيه ، بعد الفحص والاطمئنان إلى الواقع.
__________________
(١) الامام الصادق (ص ١٧٦).