وكان لتلك البلاد التي خضعت لعلم الإسلام حظ من العلم والحضارة ، بينما كانت الأمية تغلب على العرب. ولذلك غلب على جماعة من الصحابة وصف (القراء) ، لأنهم كانوا يقرأون القرآن ، ويكتبون بين أمه أمية ، لا تقرأ ولا تكتب.
ونتج من اتساع الإسلام وانتقال الفقه الى التابعين ، من العرب وغيرهم ، الذين انتشروا في البلاد ، لتعليم الأحكام ، وألفوا حياتها وأساليبها ، في البحث والمحاكمة بين محتملات الأدلة ، ان نهجوا منهجا جديدا في التوصل إلى الأحكام ، فبحثوا عن العلل والأسباب والمصالح والمفاسد ، بطريقة لم تكن معروفة في زمن الصحابة ، ولم تدع الحاجة إليها. وقد أدى هذا الأسلوب إلى اختلاف آرائهم في الفقه ، وكثر الخلاف بينهم في الفروع ، فكان ذلك من أسباب اشتهارهم بالرأي ، بينما اشتهر فقهاء الحجاز بالحديث ، لأن الجو الذي عاشوا فيه ، لم يفرض عليهم أن ينهجوا في البحث عن النصوص طريق التابعين. كما وأن قربهم من عصر الرسول واشتهار أحاديثه بينهم ومعرفتهم الكاملة بأحوال رواتها عنه ، سهل لهم معرفة الصحيح واستفادة الأحكام منها.
وفيما سبق أشرنا الى أن الرأي الذي شاع في عصر التابعين ليس هو غير الإفتاء بما يراه الفقيه ، بعد اليأس عن الدليل ، من كتاب أو سنة صحيحة ، وهو الذي أقرّه الرسول (ص) في حديث معاذ بن جبل وامتدحه عليه. وهذا غير القياس ، الذي وضع نواته عمر بن الخطاب ، في وثيقته الى أبي موسى الأشعري ، واشتهر به الأحناف وأيده المالكية وغيرهم. ولا نعني بذلك أنه لم يكن بين فقهاء التابعين من يتخذ القياس دليلا في الأحكام ، وانما المقصود ان العمل بالرأي أحيانا إذا تعذر على الفقيه أخذ الحكم من الكتاب والسنة ، قد أقرّه