الموضوع ، وانتشاره بين الأحاديث الصحيحة ، دعى الكثير من الفقهاء في عصر التابعين ، الى ترك بعض الأحاديث لعدم الوثوق بصحتها ، والحكم بالرأي في بعض الحوادث ، عند من لا يثق بالحديث المروي في ذلك الحادث. وقد يكون الحديث الواحد ، موثوقا به عند فقيه ومتروكا عند آخر. ولذا فإن فقهاء الحجاز قد اشتهروا بالحديث ، لأنهم كانوا أعرف بالحديث الصحيح من غيرهم ، واشتهر غيرهم بالرأي ، لعدم وثوقهم بكل ما وصل إليهم من الأحاديث المروية عن الرسول.
وكان ممن اشتهر بذلك فقهاء الكوفة ، وأشهرهم بهذه الصفة ، إبراهيم بن يزيد النخعي ، وقد ذكرنا فيما سبق أنه من حواري علي بن الحسين ، على رواية الشيخ الطوسي في رجاله.
ثالثا : اتصال العرب الغزاة بغيرهم من العناصر الأجنبية ، التي دخلت الإسلام ، وكانت تعتمد على الفكر أكثر من اعتمادها على الحفظ الذي اعتمده العرب في الأدب والفقه والحديث وجميع شؤونهم. ومن بين هؤلاء الذين دخلوا الإسلام نبغ فريق منهم في الفقه والحديث ، عرفوا بالموالي ، كانوا قد أخذوه من الصحابة وتلامذتهم. وأصبح في كل حاضرة إسلامية فقيه منهم ، يرجع اليه الكثيرون من الناس في أحكام دينهم. قال مصطفى عبد الرزاق : «لقد انتقل الفقه ، بعد موت العبادلة في جميع البلدان إلى الموالي ، فكان فقيه مكة عطاء بن رياح ، وفقيه أهل اليمن طاوس ، وفقيه أهل اليمامة يحيى بن كثير ، وفقيه أهل الكوفة إبراهيم ، وفقيه أهل البصرة الحسن ، وفقيه أهل الشام مكحول ، وفقيه أهل خراسان عطاء ، إلا المدينة ، فكان فقيهها سعيد بن المسيب» (١).
__________________
(١) وتمهيد لتأريخ الفلسفة ، عن اعلام الموقعين.