اذن لعبد الله بن عمرو بن العاص ، ان يكتب عنه في حال الرضا والغضب ، وان الصحيفة فيها من الفقه ما يكفي كاتبها في معرفة الشريعة كلها في جميع أبواب الفقه. فكيف يتفق منع الرسول عن التدوين منعا باتا لأي كان منهم ، كما يستفاد من الحديث المنسوب اليه ، مع إذنه لعبد الله في الكتابة عنه في حال الرضا والغضب؟ على انه لم يكن من أهل السابقة في الإسلام حتى يختصه الرسول بتلك المنزلة الرفيعة ، ولا من المقربين اليه ، لتكون له هذه الحظوة عند الرسول. ولقد كان أبوه ممن يكيدون للإسلام طيلة حياته. وقد أسلم عبد الله هذا وأبوه في السنة الثامنة للهجرة ، قبل وفاة الرسول بسنتين (١) ، وكان له من العمر حين إسلامه خمس عشرة سنة ، إذا لاحظنا أنه توفي سنة خمس وستين من الهجرة ، وله من العمر اثنان وسبعون سنة ، كما في رواية ابن سعد في الطبقات (٢) ، يكون له من العمر سبع عشرة سنة حين وفاة الرسول ، أدرك منها سنتين مع الرسول وحين اتصاله بالرسول لم يكن له من العمر أكثر من خمس عشرة سنة ، وفي هاتين السنتين ، لم يخرج عن دور الطفولة ولم يكن من أصحابه الأقربين ، حتى يختصه من بينهم ، ويقدمه حتى على أهل بيته ، ليكتب عنه كل شيء ، في حال الرضا والغضب ، وفي خلواته ، كما يزعم هو في حديثه عن صحيفته كما جاء في رواية مجاهد. وهل يتفق قوله : إذا سلمت له الصحيفة (والوهط) لا يبالي بالدنيا وما فيها ، مع موقفه بجانب معاوية في صفين وغيرها ، واستعمال معاوية له مكان أبيه واليا على مصر ، وعلى الكوفة أيضا؟ فما كان له من صحيفته ما يردعه عن الوقوف بجانب ابن هند
__________________
(١) شرح النهج المجلد الثالث ص ١١٢.
(٢) المصدر نفسه ، المجلد الرابع ص ٢٦٨.