القلب دون تعمل أو عناء ، وليس أحد يماري في أن إيراد العرب للحكمة البالغة وضربهم الأمثال الرائعة فِطْرِيُّ فيهم معروف عنهم منذ جاهليتهم لما أوتوه من صفاء الذهن واتقاد الحرية وسرعة الخاطر.
وقد اشتهر منهم بذلك كثير قبل الإسلام أفتستكثر الحكمة السامية على علي عليهالسلام؟
وهو من علمت سليل قريش الذين كانوا أفصح العرب لساناً وأعذبها بياناً وأرقها لفظاً واصفاها مزاجاً وألطفها ذوقاً!
وقد قدمنا لك أنه عليهالسلام ربي في بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم منذ حداثته فنشأ وشبَّ في بيت النبوة ومهد الحكمة وينبوعها ولازم الرسول حتى مماته.
وقد قال علي عليهالسلام في بعض خطبه : (كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به) (١).
وكان من كبار كتاب وحيه وحفظ القرآن كله حفظاً جيداً وسمع الحديث الشريف ووعاه وتفقه في الدين حتى كان إماماً هادياً وعالماً عيلماً ، وفوق ذلك فأنت تعلم أن الشدائد ثِقافُ الأذهان وصِقال العقول تفتق عن مكنون الحكمة وتستخرج عصيها ، وقد مرَّ بالإمام حين من عمره حافل بالشدائد مليء (٢) بالعظائم والأهوال.
وحسبه أن يحمل مع ابن عَمِّهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم أعباء أمره ويبيته في فراشه ليلة هجرته متعرضاً لأذى المشركين الراصدين للرسول وأن يخوض غمار الحرب في كل غزواته ـ إلا واحدة ـ ثم هو يقضي طول خلافته مذ
__________________
(١) نهج البلاغة : ج ٢ / ١٥٧.
() الوجه أنْ يقول : مَلْآنُ.