بمكان لا يوازى كان الجزاء عليه كذلك. ولمّا كان الشرك عنده تعالى أيضا في باب المعاصي بمكان لا يوازى كان الجزاء كذلك ، ولو عذّب الكافر بكلّ عذاب لم يواز كفره ولم يساوه لعظم ما أتى به. فنسأل الله العظيم أن يتوفّانا مسلمين كما أمرنا به. والظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء وضع الشيء في غير موضعه المختصّ به ، إمّا بنقصان أو بزيادة وإمّا بعدول عن وقته أو مكانه. ومن ثمّ قالوا : ظلم السّقاء : إذا تناوله في غير وقته أو مكانه ، ويقال لذلك اللّبن : ظليم. وقيل : هو أظلم من الحيّة ؛ وذلك أنّ الحية تأتي الجحر (١) فتغتصبها من أرباها. قال الشاعر : [من الرجز]
وأنت كالأفعى التي لا تحتفر |
|
ثم تجيء حاذرا فتنجحر |
ويقال : ظلم الأرض : إذا حفرها ولم تكن محلّا للحفر ، وتسمى المظلومة. قال النابغة (٢) : [من البسيط]
إلا الأواريّ لأيا ما أبيّنها |
|
والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد |
والتراب الخارج منها ظليم. وقيل : الظّلم : التصرّف في ملك الغير من غير إذنه. وقد ظلمني ، أي تصرّف في ملكي بغير إذني ، ومن ثمّ انتفى الظلم عن الباري تعالى من كلّ وجهة وعلى كلّ وجه. فله أن ينعم العاصي ويعذّب الطائع ، وليس ذلك ظلما إذ الأشياء كلّها ملك له تعالى. وقيل : الظلم مجاوزة الحدّ الذي يجري مجرى نقطة الدّائرة. ويقال فيما يقلّ ويكثر من التجاوز. ولهذا يقال في الذنب الصغير والذّنب الكبير : ظلم. قال الراغب (٣) ولذلك قيل لآدم عليه الصلاة والسّلام في تعدّيه : ظالم ، ولإبليس : ظالم ، وإن كان بين الظّلمين بون بعيد. قلت : أمّا التباين بين ما ذكره فمسلّم ، ولكنّ وصفه آدم بذلك جراءة لا تجوز ، فنبّهت عليها لذلك. وقال بعض الحكماء : الظلم أنواع : الأول : بين العبد وربّه
__________________
(١) وفي الأصل : الحجرة. ويعني : جحر الضب ، حيث تغتصب حسلها.
(٢) ثالث بيت من معلقته (الديوان : ٣).
(٣) المفردات : ٣١٥.