وأعظمه الشّرك والكفر والنّفاق. ومن ثمّ قال الله تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(١) ، وإياه قصد بقوله : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(٢). والثاني : ظلم بينه وبين الناس ، وإياه قصد بقوله تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ)(٣). والثالث : ظلم بينه وبين نفسه ، وإياه قصد بقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ)(٤). وقوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)(٥) أي لأنفسهم. قال : وكلّ هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس فإنّ الإنسان أول ما يهمّ بالظلم قد ظلم نفسه ، فإذا الظالم أبدا يبتدىء بنفسه في الظلم ، ولهذا قال في غير موضع : (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٦) قلت : وفي قوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) فائدة حسنة وهو أنّه تعالى علم أنهما يصيبان ما يصيبان فلقّنهما الاعتذار. فمن ثمّ قالا : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا)(٧) فتأيّد أنّ الظلم في قوله : (مِنَ الظَّالِمِينَ) أي لأنفسكما. ثم إنّ الظلم المتوسط ـ وهو ظلم العباد ـ أصعب الثلاثة من وجه وهو الافتقار إلى الخروج من مظلمة ذلك الإنسان ؛ إمّا بردّ ما غصبه وإمّا بإعلامه بما اغتابه وثلبه. وفي هذا من الصعوبة كما هو معروف عند كلّ أحد بخلاف النوعين الآخرين ؛ فإنّهما لمجرد الندم والإقلاع والعزم على عدم العود يحصل الغرض وينتفى الظّلم.
قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ)(٨) أي بشرك لأنه هو الظلم المؤثر في الإيمان. ولما سمعها الصحابة تبادر فهمهم إلى مطلق الظلم فضجّوا فقال عليه الصلاة والسّلام : «ذلكم الشرك» وتلا قوله تعالى : (لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(٩) فسكتوا. قوله : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً)(١٠) أي لم تنقص. قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ
__________________
(١) ١٣ / لقمان : ٣١.
(٢) ١٨ / هود : ١١.
(٣) ٤٢ / الشورى : ٤٢.
(٤) ٣٢ / فاطر : ٣٥.
(٥) ٣٥ / البقرة : ٢.
(٦) ١١٧ / آل عمران : ٣.
(٧) ٢٣ / الأعراف : ٧.
(٨) ٨٢ / الأنعام : ٦.
(٩) ١٣ / لقمان : ٣١.
(١٠) ٣٣ / الكهف : ١٨.