لِلْعَبِيدِ)(١). قال بعضهم : لا يلزم من نفيه الأخصّ نفي الأعمّ ، والله تعالى منتف عنه الظلم على العموم. وظلّام صيغة مبالغة ، ومثاله إذا قلت : ليس زيد بظالم ، معناه أنه لم يلتبس بشيء من الظلم قليله وكثيره. وإذا قلت : ليس بظلام فإنما نفيت كثرة الظلم. ولا يلزم منه مطلق الظلم ، والجواب / عنه أنّ ظلاما هنا ليس مثال مبالغة وإنما معناه النسب ، أي ليس بذي ظلم كقولهم : لبّان ونبّال ، أي صاحب لبن ونبل. وقيل : إنّما أتى به على صيغة المبالغة بالنسبة إلى ذكر ما بعده من الجمع. فلما تكرّر المتعلق وتعدّد حسن أن يتكرّر الفعل الذي نفي عنه تعلقه ، والأول أحسن.
قوله : (إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى)(٢) تنبيه أن الظلم لا يغني شيئا ؛ فإنّ قوم نوح مع كونهم كانوا أظلم من هؤلاء لم يغن عنهم ظلمهم شيئا بل كان وبالا عليهم. قوله تعالى :
(وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ)(٣) أي لا يريد أن يظلمهم. وأمّا ظلمهم لبعضهم بعضا فهو واقع وليس المراد نفي إرادته. وقد مضى هذا مستوفى. وقال في موضع آخر : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(٤) فنفى الظلم عن ذاته المقدّسة من غير تعرّض للإرادة ، لأنّ المقام هنا يقتضي نفي ذلك. قيل : والظلم يرد أيضا بمعنى العدول ومنه : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا)(٥) أي بعدولهم عن الحقّ. ولا شكّ أن ذلك لازم للظلم ، بأيّ تفسير فسّر. ويرد أيضا بمعنى النقصان كقوله تعالى : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٦) أي ما نقصوا ملكنا شيئا ، وإنما نقصوا أنفسهم حظّها. ويرد بمعنى المنع ؛ حكى أبو بكر : ما ظلمك أن تفعل كذا؟ أي ما منعك. وفي حديث أمّ سلمة «أنّ أبا بكر وعمر [ثلما] هذا الأمر فلم يظلماه» (٧) أي لم يضعاه في غير موضعه. وقيل : لم يعدلا به عن الحقّ. وقيل : لم
__________________
(١) ٤٦ / فصلت : ٤١.
(٢) ٥٢ / النجم : ٥٣.
(٣) ٣١ / غافر : ٤٠.
(٤) ٢٩ / ق : ٥٠.
(٥) ٥٢ / النمل : ٢٧.
(٦) ٥٧ / البقرة : ٢.
(٧) النهاية : ٣ / ١٦١ ، والإضافة منه. وفيه «فما ظلماه». وثلم الطريق : وسطه.