من سعادة وشقاوة «فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه» في حكم الدّنيا. وقال الراغب (١) : وفطر الله الخلق : وهو إيجاده الشيء وإبداعه على هيئة مترشّحة لفعل من الأفعال. وقوله تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) إشارة منه تعالى إلى ما فطر أي أبدع وركز في الناس من معرفته تعالى. ففطرة الله تعالى هي ما ركز فيه من قوته على معرفة الإيمان ، وهو المشار إليه بقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(٢).
وقوله : (وَالَّذِي فَطَرَنا)(٣) أي أبدعنا وأوجدنا. ويصحّ أن يكون الانفطار في قوله : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) إشارة إلى قبول ما أبدعه وأفاضه علينا منه.
والفطر : ترك الصّوم ؛ يقال : فطرته ، وأفطر هو. وقيل للكمأة فطر لأنه يفطر الأرض أي يخرج منها. وقيل : فطر الصائم وإفطاره : شقّه صومه بالفطور. ويقال : أفطر الصائم إذا تعاطى ما يفطره. وأفطر : دخل في وقت الإفطار ، نحو : أصبح ، ومنه الحديث : «إذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم» (٤) أي جاز له أن يفطر وحلّ له بعد أن كان محظورا عليه.
والفطر : المذي أيضا. وفي الحديث أنه سئل عن المذي فقال : «ذاك الفطر» (٥) قال أبو عبيد : سمي فطرا لأنه شبه بالفطر في الحلب. يقال : فطرت الناقة أفطرها. ورواه غير أبي عبيد كالنّضر بن شميل الفطر ، بالضم.
وقوله : (فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)(٦) أي فتقهما من بعد أن كانتا ملتصقتين ، إشارة إلى قوله : (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما)(٧) وقوله : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ)(٨) أي من خلل بحصول شقوق فيها وارتفاع وانخفاض ، فليس بين قوله تعالى : (فَطَرَ السَّماواتِ) وبين قوله : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) تناف ، والله أعلم.
__________________
(١) المفردات : ٣٨٢.
(٢) ٨٧ / الزخرف : ٤٣.
(٣) ٧٢ / طه : ٢٠.
(٤) النهاية : ٣ / ٤٥٧ ، وفيه : «إذا أقبل الليل وأدبر النهار فقد أفطر الصائم».
(٥) النهاية : ٣ / ٤٥٨.
(٦) ٧٩ / الأنعام : ٦.
(٧) ٣٠ / الأنبياء : ٢١.
(٨) ٣ / الملك : ٦٧.