قوله : (تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ)(١) أي مواطن وأماكن جمع مقعد وهو اسم مكان القعود. والقعود يكون مصدرا نحو : قعدت قعودا ، وجمعا ، ومنه : (قِياماً وَقُعُوداً)(٢). كما أنّ قياما يكون مصدرا وجمعا.
والقواعد : أساس البناء ، الواحدة قاعدة. قال الله تعالى : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ)(٣). قوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ)(٤) هو بمعنى فاعل نحو شريب وجليس وخليط بمعنى مجالس ومشارب ومخالط. والمراد ملك عن يمينه يكتب له وآخر عن شماله يكتب عليه. وقعيد يكون للواحد وغيره ، فلذلك وحّده. وقولهم : قعدك الله ، وقعيدك الله في القسم ، معناه : أسألك بالله الذي يلزمك حفظك (٥). قال (٦) : [من الطويل]
قعيد كما الله الذي أنتما له
وهما في الأصل مصدران مضافان للفاعل ، وقد حقّقنا الكلام عليهما في غير هذا.
والقعدة : مرّة من القعود ، وبالكسر الهيئة ، منه قوله تعالى : (وَقَعَدُوا)(٧) أي تثبّطوا وتكاسلوا ، ولذلك قال : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٨). ويعبّر عن الترصّد للشيء بالقعود كقوله تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)(٩). وفي الحديث : «نهى أن يقعد على القبر» (١٠) أراد التخلّي والحدث. وقيل : أراد به الإحداد وملازمة القبر ، وقيل :
__________________
(١) ١٢١ / آل عمران : ٣.
(٢) ١٩١ / آل عمران : ٣ ، وغيرها.
(٣) ٢٦ / النحل : ١٦.
(٤) ١٧ / ق : ٥٠.
(٥) وفي الأصل : حفظه ، والتصويب من المفردات واللسان. وهو بمنزلة : عمرك الله.
(٦) صدر بيت للفرزدق (الديوان : ٨٩٥) ، وعجزه :
ألم تسمعا بالبيضتين المناديا؟
(٧) ١٦٨ / آل عمران : ٣.
(٨) ٩٥ / النساء : ٤.
(٩) ١٦ / الأعراف : ٧.
(١٠) النهاية : ٤ / ٨٦.