وعرّشت البئر ، أي جعلت له عريشا (١). وسمي مجلس السلطان عرشا اعتبارا بعلوّه. ثم عبّر به عن العزّ والمنعة والقوة ، لأنه محلّ صدور ذلك وقراره وهو المراد بعرش الباري تعالى. ويجوز أن يكون عرشا جسمانيا ولكنه في الهيئة والخلقة لا يعلم كنه ذلك إلا خالقه. واستواؤه عليه هو استيلاؤه ـ وقد مضى تفسير ذلك ـ لا الاستواء المعلوم. قال الراغب (٢) : وعرش الله مما لا يعلمه البشر على الحقيقة إلا بالاسم. قال : وليس كما تذهب إليه أوهام العامّة فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له تعالى عن ذلك لا محمولا ، والله تعالى يقول : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ)(٣) وليس كما قال قوم إنه الفلك الأعلى ، والكرسيّ فلك الكواكب. قال : واستدلّوا على ذلك بما روي عنه عليه الصلاة والسّلام : «ما السماوات السبع والأرضون السبع في جنب الكرسيّ إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة» (٤) والكرسيّ عند العرش كذلك.
قلت : لا يلزم من قال : إن العرش جسم وفلك أن يكون حاملا لله تعالى بل العرش وحملته وما سوى ذلك محمولون بقدرته تعالى. والقرآن قد ورد بأنّ للباري تعالى (٥) عرشا موجودا جسمانيا محمولا وهو قوله تعالى : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ)(٦). (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ)(٧) فأيّ محذور في أن يكون له عرش كما أنّ له سماوات وأرضا ، ولا نقول إن شيئا من ذلك يحويه ولا هو مقوله «تبارك و» (٨) تعالى عن ذلك؟ وقيل : العرش سرير الملك فعبّر به عن ملكوت ربّنا لأنه ملك الملوك.
قوله : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) تنبية أن عرشه تعالى لم يزل مستعليا مذ وجد على
__________________
(١) وفي الأصل : عرشا.
(٢) المفردات : ٣٢٩.
(٣) ٤١ / فاطر : ٣٥.
(٤) المفردات ، تابع النقل.
(٥) ساقطة من ح.
(٦) ١٧ / الحاقة : ٦٩.
(٧) ٧ / هود : ١١.
(٨) ساقط من ح.