تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ)(١) قيل : معناه : ولا تجعلوه معرّضا لها ومعدّا لأنّ ذلك يشعر بقلّة المبالاة ، من قولك : هذا بعير عرضة للسّفر (٢). وأنشد لعبد الله بن الزّبعرى : [من الطويل]
فهذي لأيام الحروب وهذه |
|
للهوي وهذي عرضة لارتحاليا |
وقال المبرد : العرضة : الاعتراض في الخير والشرّ. يقول : لا تعترضوا باليمين في كلّ ساعة أن لا تبرّوا ولا تتّقوا. وقيل : لا تجعلوه معترضا بينكم وبين فعل البرّ ، وذلك أنّ الرجل يحلف ألا يفعل الخير ولا يبرّ فلانا فيجعل الايمان معترضة بين فعله الخير وبينه. وقيل : هي المنع ، أي : لا تجعلوه مانعا لكم من البرّ والتّقوى. ويدلّ عليه الحديث : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفّر عن يمينه وليأت الذي هو خير» (٣) وقد أتقنّا هذه المسألة وأوسعنا فيها العبارة إحكاما وإعرابا وتفسيرا في «القول الوجيز» و «الدرّ النّظيم» وغيرهما ولله الحمد والمنّة. وقوله تعالى في موضع : (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)(٤) وفي موضع آخر : (كَعَرْضِ)(٥). فصرّح بحرف التشبيه لما بينّاه في غير هذا. قال بعضهم (٦) : أراد بالعرض في الموضعين الذي هو خلاف الطول. قال : وتصوّر ذلك على أحد وجوه : إمّا أن يريد به أن (٧) يكون عرضها في السماء الأخيرة كعرض السماوات والأرض في النشأة الأولى ، وذلك أنه قد قال : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ)(٨) قال : فلا يمتنع أن تكون (٩) السماوات والأرض في النشأة الأخيرة أكبر مما هي الآن. وروي أن يهوديا سأل عمر رضي الله تعالى عنه عن هذه الآية وقال : فأين النار؟ فقال عمر : فإذا جاء الليل فأين
__________________
(١) ٢٢٤ / البقرة : ٢.
(٢) أي يجعل معرّضا له.
(٣) النهاية : ١ / ٤٢٥.
(٤) ١٣٣ / آل عمران : ٣.
(٥) ٢١ / الحديد : ٥٧.
(٦) يعني الراغب (المفردات : ٣٣٠).
(٧) في الأصل : أنه.
(٨) ٤٨ / إبراهيم : ١٤.
(٩) في الأصل : تكون في ، فأسقطنا الحرف الزائد.