الله والمنكر ما خرج عنها ، وهذا يقرب من الإجمال. ومراد الآية أن يصحبا وهما كافران بالإحسان إليهما من نفقة عليهما ، ومراعاة لجانبهما ، ممّا يتعلق بالأمور الدّنيوية ، كقوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)(١)(فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ)(٢) فهذا عامّ في المسلمين والكافرين إلا أن يأمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة ، وهم وغيرهم في ذلك سواء ، وقد قال تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ) الآية (٣). قوله : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ)(٤) هذه الأشياء تفسير للخيريّة المذكورة في قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(٥). والمعروف : اسم لكلّ فعل يعرف بالعقل والشرع حسنه ، والمنكر : ما ينكرهما. ومن ثمّ قيل للاقتصاد في الجود معروف لمّا كان مستحسنا شرعا وعقلا. وقوله : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ)(٦) أي بالاقتصاد من غير إسراف فيضرّ بالزوج ، ولا تقتير فيضرّ بالمرأة. قوله : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً)(٧) أي ردّ للفقير بقول جميل نحو : فتح الله عليك ، وسّع الله عليك ، أعفاك الله ، خير من أن تعطي شيئا فتمنّ به وتقرّع وتوبّخ كصدقة غالب أهل زماننا.
قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)(٨) أي بالمعروف. وفي الحديث في تفسيرها : «أنّه عليه الصلاة والسّلام سأل جبريل عنها [فقال :](٩) لا أدري حتى أسأل. ثم رجع فقال : «يا محمد إنّ ربّكّ يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمّن ظلمك» (١٠) وعن جعفر الصادق أنه قال : «أمر الله نبيّه بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع منها لمكارم الأخلاق».
__________________
(١) ٨٣ / البقرة : ٢ ، وغيرها.
(٢) ٢٣ / الإسراء : ١٧.
(٣) ١٥ / لقمان : ٣١.
(٤) ١١٠ / آل عمران : ٣.
(٥) مطلع الآية السابقة.
(٦) ٢٤١ / البقرة : ٢.
(٧) ٢٦٣ / البقرة : ٢.
(٨) ١٩٩ / الأعراف : ٧.
(٩) إضافة للسياق ، وذكرها القضاعي.
(١٠) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم كما ذكر مختصر ابن كثير. وقال الألوسي إنه أخرجه ابن جرير وابن المنذر ـ