يَعْلَمُهُمْ)(١) وحينئذ فكيف يصحّ ذلك؟ إذ المحذور أمر معنويّ لا لفظيّ ، فإنّه متى أريد بالعلم العرفان كانا بمعنى واحد امتناعا وجوازا. فيجب أن يقال : (اللهُ يَعْلَمُهُمْ) متعدّ لاثنين حذف ثانيهما وأمّا (لا تَعْلَمُونَهُمُ) فمتعدّ لواحد. قيل : وأصل عرفت : من أصبت عرفه. أي رائحته ، أو من أصبت عرفه أي خدّه. وتقابل المعرفة بالإنكار والعلم بالجهل.
قوله : (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا)(٢) أي ليعرف بعضكم بعضا بنسبه ، فيقال : فلان بن فلان من الحيّ الفلانيّ والقبيلة الفلانية والشعب الفلانيّ. وقد تقدّم أنّ الشعوب في العجم والقبائل في العرب. والمعنى : لتعارفوا لا لتفاخروا ، والأصل : لتتعارفوا فحذفت إحدى التاءين ، وأثبتهما ابن كثير إلا أنه أدغم إحداهما في الأخرى ، وهي أحرف معدودة بينّاها في «العقد النضيد». وقيل : (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ)(٣) أي عرّف بعض أزواجه وهي حفصة. وقيل : «عرف» (٤) بالتخفيف ، قيل ؛ بمعنى جازاها عليه ، وهو مستفيض عندهم في الوعيد ؛ يقولون : عرفت ما فعلت ، أي سأجزيك. وفي التفسير قصة. (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً)(٥) هم الملائكة ترسل بالمعروف. فعرفا حال ، أي ذات عرف. وقيل : معنى عرفا : متتابعة من عرف الفرس والديك لتتابع شعره. ومنه : جاءت القطا عرفا ، أي متتابعة. وقوله : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً)(٦) أي علّموهم وعرّفوهم طرق الرشاد وأسباب الخير ، فهذا هو القول المعروف. وقيل : لا تواجهوهم بمنع الأموال بكلام شين بل بردّ جميل بأن تقولوا : إذا رشدتم دفعنا إليكم الأموال. وقيل : ما يوجبه الدّين والملة بتصريح وبيان.
وقوله : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً)(٧) قال ابن عرفة : المعروف ما عرف من طاعة
__________________
(١) ٦٠ / الأنفال : ٨.
(٢) ١٣ / الحجرات : ٤٩.
(٣) ٣ / التحريم : ٦٦.
(٤) ذكر الفراء أن الرجل إذا قرأ أحدهم على أبى عبد الرحمن «عرف» بالتشديد حصبه. وكأن الذين يريد التخفيف يريدون : غضب من ذلك وجازى عليه. كما قرأها الحسن بالتخفيف (معاني القرآن : ٣ / ١٦٦).
(٥) ١ / المرسلات : ٧٧.
(٦) ٥ / النساء : ٤ ، وغيرها.
(٧) ١٥ / لقمان : ٣١.